(مواضع الزَّلل الفكري عند الإنسان لا تكاد تقع تحت الحصر).. تلك مقولة الأستاذ الكبير زكي نجيب محمود في كتابه الشهير (تجديد الفكر العربي).
من هذه الجملة الصغيرة في عدد الكلمات، الكبيرة جداً في مضامينها، جاءتني الفكرة، وهي ضرورة التحوُّل من فكر لفكر.. ولكن أولاً لا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا التحوُّل؟ وهل هناك ضرورة ملحة لذلك، أم أن المسألة كلها سفسطة لا طائل من ورائها؟
بدايةً.. للإجابة عن السؤال الأول - وهو لماذا التحوُّل؟ - نعود للمقولة الفلسفية القديمة: (الإنسان لا ينزل الماء مرَّتين). وهذه المقولة تدلُّ على التغيُّر الثابت في الأشياء.. فالكون كله متحرك، سواء حركة دائرية أو حركة تقدمية.. المهم أن الحاصل هو الحركة. إذن هنا لا بد من سرعة التحول لنواكب الحركة الكونية على مستوياتها للأمام أو الوراء أو دائرياً، ولكن يهمنا بالطبع أن تكون حركتنا للأمام حتى يُحسب لنا تقدُّم.. إذن الإجابة عن السؤال الأول أجابت أيضاً عن السؤال الثاني، وهو: هل هناك ضرورة ملحة للتحول؟
من الإجابة السابقة ندرك أنه لا بد في الوقت الراهن من أن ننطلق من آنيَّتنا إلى ديناميكية على كل مستويات التفكير والعمل والإدراك.
ولو أن مسألة التحول من فكر قديم إلى فكر حديث يناسب طبيعة الأشياء والمكونات المحيطة لأصبحت حياتنا كلها دائرية؛ نصل للنقطة التي بدأنا منها، وندخل متاهة الدائرية التي لا تنتهي، ووقتها نُعَدُّ في عِداد الموتى الذين لا يحسبون الوقت وأهميته، حتى إنهم لا يشعرون منذ لحظة موتهم إلى بعثهم كم غابوا عن الدنيا.
إننا الآن أحياء، فلنكن أحياء بكل ما تحمله اللفظة من حيوية، ولا نركن إلى ترديد فكر قديم، ولا نلهث وراء فكر مستحدث دون منطق يحكمه.. وعلينا أن نحاول اللحاق بالركب التقدمي الحضاري الذي يسير بسرعة رهيبة، إن سرعة التقدم تساوي سرعة إعطاء الأمر للكمبيوتر وتنفيذه لهذا الأمر (غمضة عين). ولندرك أن الشيء الوحيد الثابت هو التغير في الأشياء.. والثابت الوحيد في الكون هو وجود الله.
|