Sunday 19th September,200411679العددالأحد 5 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الرفق في المعاملة وآثاره الرائعة الرفق في المعاملة وآثاره الرائعة
حمد عبدالرحمن المانع (*)

لم يواكب الرفق في القول أو العمل إلا ويضفي إليه صبغة الارتقاء، من خلال ترسيخ عميق للتآلف ويؤطر سبل التواصل، وينمي أواصر الترابط بين أبناء المجتمع الواحد من خلال احتضان جميل لنبل الأخلاق، في تأصيل بديع بقيم راسخة رسوخ الجبال في يوم عاصف، حينما يسهم الانعكاس الجميل للرفق، في نشوء آثار لا يصل مداها إلى انسيابية التداول، في حميمية تلقي بظلالها الوارفة على الأطراف، بل تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال انضواء الرفق تحت لواء الحكمة (ورأس الحكمة مخافة الله) وعندما يحاذي الرفق التصرف ويحتضن السلوك، منبثقاً من مخافة الله عز وجل، فإنه يتكئ على أسس سليمة، وقرارات متزنة حصيفة حكيمة، (ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف)، لذا فإنك تجد من يتصف بالرفق في تعامله، تملأ فؤاده الرحمة، ويشع فؤاده بحنان ساطع، وتكتسي وجدانه الرأفة، التي لا تلبث أن تدثر القلوب المترعة بشؤون الحياة وشجونها، والمتخمة بالتوجس والقلق، بغطاء السكينة السميك، ليمنحها الاطمئنان في زمن يعج بمتناقضات لا تنفك مقصية هذه المفاهيم الفذة ومغيبة لهذه المؤثرات العذبة، لتتوارى خلف قضبان القسوة الجائرة في ظل أنانية، ما فتئت محيلة الذات إلى صخرة صماء، تتكسر عليها كل المعاني الجميلة الفاضلة، وأبعد ما تكون عن محاسبة النفس، محاسبة دقيقة شاملة، وتغليب صوت العقل، بتفعيل القيم القيمة، بمعزل من الرضوخ إلى عاطفة، لم تكن إلا عنواناً بائساً للتسرع، في حين أن الرعونة تستمرئ تضيق المجال ولا تستسيغ التدارك، لمآل هذا العمل أو ذاك المفضية نتائجه والحالة تلك إلى المهالك.
غريب أمر العاطفة، فبقدر ما تكون الحاجة إليها ملحة، بقدر ما يتوجب الحرص والحذر من آثارها السلبية، وتقترن العاطفة بالرفق والعنف في ذات الوقت، فهي تستمد طاقتها من الفعل ورد الفعل، طبقاً لنوعية الشحن من حيث الكم والكيف، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقلب لأنها إلى تلبية ندائه، أقرب ووقعها عليه أصعب ويأبى العقل السليم الواعي تمرير زخم هائل وفقاً لمقياس مائل، وبالتالي الحيلولة دون اصدار حكم جائر، امعاناً في اتساقه وانسياقه مع الحكمة، في تقنين بديع وتدبر بليغ وفهم سريع لمعطيات الأمور، وما تقتضيه المصلحة وليست الآنية الزائلة بل هو حساب دقيقة ومتقن، لما يترتب إزاء هذا العمل من تبعات ويؤثر الخير الكثير على مكاسب لا تعدو أن تكون سبباً في انقلابه خاسئاً وهو حسير، ومن هنا كان الرفق وفي هذه المواقف تحديداً حضوره أوجب، عبر الاستيعاب المحكم، والتحليل المنطقي المفعم بالاتزان، والتعقل، والسيطرة الكاملة على مشاعر لم تكن بحال من الأحوال سوى اختبار للقوة الكامنة في النفس المؤمنة، حيال التصاقه بصدق اعتقاده، وتعبيراً بليغاً بيقينه المطلق.
وإذا كانت الكسور في المسائل الحسابية، في بعض الأحيان تجبر، ويطلق عليها كمصطلح اقتصادي عبارة (تسوية) فإن جبر الخواطر الكسيرة يندرج أيضا في نطاق (تسوية) أعم وأشمل، وفقاً لمحاسبة النفس، ونتائجها لا تظهر في ميزانيات (مدققة) أو (غير مدققة) بل أنها تخضع لمقاييس بآلة الدقة، حين تثقل موازين من جعل الرفق حليفه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، وهذه التسوية السليمة نابعة من قلب سليم وعقل مدرك فطين، قال نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والتسليم (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه).
من هذا المنطلق كان الرفق وما زال وسيظل بإذن الله تعالى شامخاً في تبوئه جميلاً في تصوره، حاضراً في مخيلة المؤمن في حله وترحاله تأسياً بسنة سيد البشر ليبحر بسفينة الهدوء العملاقة يزينها الرفق من كل جانب تحت سماء الابداع غير عابئة بأمواج العواطف ملتهبة كانت أم متلاطمة بقيادة ربان ماهر ألا وهو العقل الكبير مرجحاً كفة التوازن حينئذ يتجلى التصور الجميل مشيعاً جواً من الألفة لتعمل مجاديف الإخاء، في دفع هذه السفينة ومن ثم الرسو في مرافئ الأمن والأمان والاطمئنان، ولئن كان العنف وسيلة العاجز في اقناع الآخرين بصحة وسلامة منطقة، فإن الرفق لا يلبث أن ينتزع الاعجاب بقوة المنطق، لما له من تأثير بالغ في القبول من قبل المتلقي عبر تمرير سلس بصيغة مؤثرة تعكس بجلاء ما يتصف به أبناء هذه الأمة من أخلاق نبيلة فاضلة، وأساليب ناصعة مؤثرة مقنعة، لا تقبل انصاف الحلول وهي تستقي قيمها من كتاب رب البلاد والعباد.

* شركة اليمني للسيارات


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved