فرصة لالتقاط الأنفاس في العراق

تحصد الصواريخ الأمريكية العشرات من أرواح المدنيين العراقيين لكنّ القادة العسكريين الأمريكيين لا يتورعون عن القول إن غاراتهم نجحت في قتل العشرات من الإرهابيين، وعلى هذا الأساس فإن واشنطن تواصل مهمتها ضد من ترى أنهم إرهابيون غير آبهة بالحقائق على الأرض التي تتحدث عن جثث لنساء وأطفال فيما يؤكد أهالي الفلوجة وقرية زوبع وهم يدفنون ضحاياهم أنهم يعرفون أصحاب هذه الجثث، وان أهالي القرية، على الأقل لم يلحظوا غرباء يتحركون بين ظهرانينهم .. وعندما انبس كوفي عنان ببضع كلمات عن عدم شرعية هذه الحرب سرعان ما انهالت الهجمات عليه، والآن فإن أمين عام الأمم المتحدة اختار حث الأطراف على إصدار قرار بشأن السودان مفضلاً عدم الخوض في الجدل بشأن العراق بل إن المتحدث الرسمي باسمه قال إن رئيسه جرى استدراجه إلى قول تلك العبارة من قِبل الصحفي الذي كان يحاوره.. ولا يعرف المدى الذي ستذهب إليه هذه الوحشية تجاه المدنيين العراقيين الذين تعيّن عليهم أن يتلقوا الضربات من كل الذين يحملون السلاح، والأرجح أن الولايات المتحدة ستواصل نهجها العسكري ضد المدنيين إزاء هذا الصمت الدولي، لكنها بذلك ستدفع بالمزيد من العراقيين إلى حمل السلاح ضدها.. والمحصّلة المؤكدة لما يحدث في العراق أن البلاد مقدمة على فترة جديدة من الفوضى، فقد عاش العراق طوال ما يقارب العام من عدم الاستقرار والانفلات الأمني، إلا أنه موعود بفترة أكثر سوداوية طالما ظل وحيداً في الساحة في مواجهة الأسلوب العسكري الأمريكي الذي لا يفرق بين الأبرياء والجناة، وطالما ظلت الجماعات المسلحة تعيث فساداً وتنفذ أجندة ليس لها علاقة بالعراق، فالساحة العراقية تكتظ بالغرباء والمرتزقة المستعدين لإبقاء هذه الساحة ساخنة باستمرار.. وإزاء هذه الأوضاع الصعبة والموغلة في العنف فإن الحديث عن انتخابات في شهر يناير المقبل قد يصبح ضرباً من الخيال، فإلى جانب انعدام الأمن فإنه لا يوجد ثمة ما يشير إلى منابر سياسية تتيح حواراً بين أبناء الشعب العراقي والقيادات التي يفترض فيهم انتخابها للهيئات التشريعية المرتقبة.. ولا يرى العراقيون أن الأولوية في الوقت الراهن ينبغي أن تكون للانتخابات وإنما لحماية الأرواح والأبدان من هذا الرصاص الذي ينطلق من كل صوبٍ وفي كثيرٍ من الأحيان بشكل جنوني إلى الدرجة التي تحرم العراقيين من مجرد الجلوس إلى بعضهم البعض للتفاكر فيما يحدث.