لم تكن تجربة مصر مع العنف السياسي تجربة سهلة أو يسيرة، أو جولة خاطفة من المواجهة السريعة، فعلى حين أن التأسيس الفكري لتلك الجماعات قد بدأ في الخمسينات الميلادية، في عهد جمال عبد الناصر، ولكن المناخ السياسي القامع، والهزائم المتلاحقة التي مني بها العالم العربي جعلت منهم جماعات مسلحة صنعت دولة بوسط دولة، بل إنها استطاعت اختراق الكثير من الأجهزة الرسمية في مصر وتسخيرها لحساب تلك الجماعات. إذن فالحرب على الإرهاب في مصر لم تكن يسيرة وسهلة، لا سيما أن تلك الجماعات المسلحة استطاعت اختراق مواطن الضعف والخلل في الدولة مثل البطالة، والفقر، والهزائم القومية، جميع هذا أصبح مادة ذهبية بين أيديهم للسيطرة على عواطف الشعوب المطوقة بالهزائم لتجييش البسطاء والعامة بغرض الانضمام لتلك الجماعات. وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها دولة مصر من تلك الجماعات إلا أن عملية المقاومة الفعلية، شملت الكثير من القطاعات حتى تم القضاء عليهم. فالإصلاح السياسي وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية، وفتح المزيد من قنوات الاتصال والتعبير عن الرأي خلق مناخا متوازنا يمتلك بعضا من الحريات والتنفيس عن القلق إزاء الفساد الإداري الذي كان يضرب أطنابه هناك منذ العصور العثمانية، أيضا تقليص ميزانية الجيوش وخروج مصر من حالة التعبئة الحربية الدائمة خلق الكثير من المشاريع التنموية في مصر بغرض خدمة المواطن وتلبية حاجاته وطموحاته، ومن أبرز الأمور أيضا التي ساهمت في القضاء على الفكر السياسي المسلح في مصر، هو افتقادهم الدعم من المجتمع وخلخلة الأرضية الشعبية التي كانوا يرتكزون عليها، وبالتالي باتوا عاجزين عن استغلال العواطف الدينية الفطرية لدى البسطاء والعامة فيما يخدم ويمول تلك الجماعات. وعلى الرغم من عدم وجود الكثير من أصابع الاتهام باتجاه وزارة التربية والتعليم المصرية حول نشأة هذه الجماعات، إلا أنها بدورها تبنت خطة مراجعة عميقة لمناهجها، وأفسحت مجالا كبيرا لتوسيع دائرة المعرفة والقبول بالمختلف والمتقاطع في العالم من حولنا، اما مثقفو مصر فقد كانت لهم وقفة حرة شريفة تجاه تلك الهجمة الظلامية المرعبة دفع بعضهم حياته ثمنا لها (فرج فوده) أو كاد (نجيب محفوظ) مقابل تصديه لفكر الكهوف المتحجر، كانت الحرب شرسة وشريرة واستنفدت من (مصر) الكثير من طاقاتها ومواردها ورجال الأمن فيها، ولكن تلك الوقفة الأبية التي وقفها الشعب بعزم وقوة أمام جيوش الظلام، استطاعت أن تدحرها وتفتتها، وتهيئ (مصر) لمحاولة النهوض من الغفوة الحضارية الشاملة التي يغط فيها عموم العالم العربي.
|