Sunday 19th September,200411679العددالأحد 5 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

باختصار باختصار
أين الوسط؟
نورة المسلم

من العلامات الفارقة لوقتنا هذا غياب الوسط، وهي الفئة المعتدلة في كل شيء، بدءا بالتوجهات والسلوك وحتى تبني الأفكار العامة.
ما الذي فعله بنا سبتمبر ويومه الحادي عشر؟ إذا كنا لسنا الوحيدين في العالم الذين عمهم غباره وتراكم آثاره، فقد بدا لنا، ومنذ ذلك الثلاثاء، وأوراقنا في مهب الريح، عندما كاد المجتمع أن ينشطر إلى نصفين أو هو تجزأ إلى كومتين بالفعل، غابت عن كلتيهما مفاهيم الاتزان والاعتدال.
بقي أن أعرّف بهاتين الفئتين، فالأولى هي المتطرفة في كل شيء وتأخذ من الدين وجهة لها، كما أن الفئة الأخرى متطرفة أيضا في مناهضتها لمبادئ الالتزام، في حين تبدو دعوتها إلى الانفتاح والتحرر كدفاع عن ظلامية الفكر السابق، على حساب كثير من القيم.
غاب عن الفئتين أن هناك فئة ثالثة في الوسط هي الضحية، كونها تنتمي إلى الوسط الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، وأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان يؤكد أن الوسط هو خير الأمور.
وحينما أذكر بغياب الوسط أو أننا نعيش على طرف معركتين بين من يدعون الالتزام والتمسك بالمنهج الذي يرونه ثابتا ولا يقبل الجدل، وأخرى تدافع عن أفكارها التي تنسكب في وعاء التقدم وأن الوعي لا يمكن له أن يتأتى إلا على أنقاض كثير من المفاهيم حتى وإن كان بعضها راسخا ومتينا، فهو ما يشير إلى إلهاء مجتمع بأكمله عن متابعة قضايا هي الأخرى هامة، وهي التنموية والتوعوية والبحث عن قيمة الإنسان المجرد وجعله كريما في تناول حقوقه وردها بالمثل، وقبل هذه وتلك غرس مثل هذه المفاهيم التي يجب ألا تلغي أحدا وأن تؤمن بالتعددية والاختلاف بما لا يتناقض مع القيم الأهم كالوحدة الوطنية والرسوخ إلى قواعد أكثرها متانة أن الدين للجميع وأن الفرد محاسب بنفسه على التقصير الذي لا يمكن أن تكون أدوات تقييمه بيد البشر وحدهم، بل في ميزان وحكمة الله وحده.
كما أن إشغال مجتمع كبير بحجم مجتمعنا بقضية واحدة وحرب ضروس تدور رحاها بين فكر معين لفرد واحد مثلا بمجرد أن يعبر عنها على صرح عام، ثم تتوالى عليه الحجج من قبل جماعات مختلفة بشتى النعوت والألفاظ والأحكام الخارجة عن دائرة الحوار والجدال والاختلاف، إذا كان للاختلاف قيمة على اعتبار أنه، عادة، أداة مثرية في الانعتاق من الصورة الواحدة والنمطية، وقبل ذلك مبادئ الدين الحنيف الذي ذكّر المولى رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بكثير من الصور اللينة في المجادلة والدعوة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، لهو حالة خاصة ننفرد بها، وتكاد تلغي كثيرا من الاعتبارات تتصدرها نظرة جيلنا الآن إلى مشاريع قادمة أولها الانتخابات الأولية للمجالس ومؤتمرات الحوار والنقاشات الفكرية وغيرها كثير مما نرجو، وما هو في (الأجندة الوطنية) من أجل الوطن وأهله وليس من أجل عين وسين من الناس.
غاب عن الذهنية الحادة والمحتقنة بالإعدام لكل من لا يتفق معهم من أي فئة أو نهج كانوا، ألا منطق أو عدلا أو حتى حجة فكرية تقبل بالإقصاء والشنق والوأد المسبق لكل من يحمل رأيا من دون مناقشته والاستماع إليه ومن ثم ترك الموازين لحلولها التي إن لم تكن مقنعة فيجب أن تؤتي أكلها بعد حين.
مشكلتنا، الآن، هي التنظير من زاوية واحدة، ومن ثم الأحكام التي تصل إلى حد التكفير والإلغاء من هبة الله لعباده، وهي النعوت القاسية والتي لا يرقى بعضها إلى سمو هذا الدين العظيم، ومقابل ذلك دعوة أخرى لا تقل تطرفا من سابقتها ممن يدعون بما يناهض الفكر الآخر على حساب الدين أيضا، وكلاهما بعيد عن منهج وسطي ومعتدل، لا يلغي أحدا ويعترف بكرامة الإنسان وحقوقه، فماذا ترانا فاعلين تجاه تحويل المجتمع إلى كرة من الشقاق الذي يبعدنا عن حقيقة أهم وهي النهوض بالحالة العامة بأوجهها كافة، بما يخدم الرسالة الأهم للفرد في أي مجتمع.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved