كم من قتيلٍ في الحياة هو القاتل، وكم من ضحيَّة للإجرام هو المجرم، انظر إلى ذاك الذي يتباهى ويتجمل بإمساك تلك (السيجارة) الخبيثة بين إصبعيه، ويضعها بين شفتيه، ويرتشف دخانها مغمضاً عينيه، مستسلماً لوهم المتعة التي تتحقق له من ارتشاق ذلك السم القاتل، أليس قتيلاً قاتلاً ؟
أليس هو الذي يمزق رئتيه وكبده ويحرق صدره وشرايين قلبه بتلك المادة السوداء القاتلة التي تتسرب من دخان حبيبته (المخربة) حينما يرتشفها؟
ثم انظر إلى ذلك الغارق في لهوه ومجونه، واتباع شهواته القاتلة، ذلك المتابع لكل لقطة غرامية فاجرة، ورقصةٍ محمومة خبيثة، وأغنية ساقطة ماجنة، أليس هو الذي يكون لنفسه من عقد المعصية، وانحراف الطبع، وضيق الصدر،
ما يوقعه في هزة الهلاكِ أو يقربه منها؟
وإذا أردت أن ترى قتيلاً قاتلاً رأي العين، وأن تعرف فظاعة الجريمة، وفداحة الخطب، فانظر إلى ذلك الموغل في فجوره، المرتكب لكبيرة الزنا، الذي يقطع اليها المسافات، ويصرف من أجلها الأموال، متخبطاً في أوحالها، كلما سمع عن حظيرة قذرة طار اليها، وكلما رأى بريقاً كاذباً في وجه مومسة هرع إليها، حتى إذا رتع في أسوأ المراتع، وشرب من أخبث المشارب، بدأ عوده يذوي، وبدأت نضارة حياته تذهب، ثم ظهرت له ولأهله الكارثة بوجهها القبيح المؤلم فإذا به ينضم إلى ضحايا (الإيدز) المدمر - نسأل الله أن يحمينا منه جميعاً -.
أليس هذا القتيل هو القاتل؟
يجيب عن هذا السؤال كتيب صغير الحجم، كبير الفائدة، جميل الأسلوب في عبارته رشاقة، وفي أسلوبه أناقة، كتبه الأستاذ سعدالله بن عبدالرحمن الغامدي بعنوان (القتيل القاتل)، يعرض بأسلوب القصة المؤثر تفاصيل حياة إنسان سرقته شهوته من نفسه، وحملته علاقاته الخبيثة التي كونها عن طريق
(شات الإنترنت) إلى عالم الضياع والهلاك حتى أصبح (قتيلاً قاتلاً).
لقد أحسن مؤلف هذا الكتاب الصغير كل الإحسان بعرضه القصة الدامية التي بدأت من غلظة البيت وجفوته، ومن سوء علاقة الأب بالأم في منزل أصبح جحيمه لا يطاق، وأصبح كالسجن لأولئك الأطفال الأبرياء الذين نشأت في نفوسهم عقد قاتلة كان من نتائجها ما حدث لأحد ابنائها الذي أصبح هو
(القتيل القاتل).
بدأ الأستاذ سعدالله قصته وهو عضو الجمعية العالمية لمرضى الإيدز بحديث يعرف فيه صاحب القصة نفسه وحياته وبداياته التي مهدت له طريق الوصول إلى الكارثة، فيقول:
( لن أحدثك كثيراً عن طفولتي المضطربة، ولا عن شجار والديّ على مرأى ومسمع مني ومن إخوتي أجمعين.. لم يكن بيتنا ينعم بالدفء والسكينة اللذين يحتاجهما قلب صغير كقلبي.. خلافات لا مبرر لها في كثير من الأحيان، وإن كان من مبرر فهو لا يستدعي التراشق بالكلمات الحادة والجارحة أمامنا.. كنا صغاراً نعم، لكننا كنا ندرك بفطرتنا ان الصوت المرتفع والتنابز بالكلام ليس دليلاً على المودة والرحمة والاحترام).
ثم يستمر في سرد القصة كاملةٍ بأسلوب جميل، يشير فيها إلى كثير من الأخطاء التربوية والاجتماعية التي تشعل حرائق الضياع للأجيال دون تنبه من آبائهم وأمهاتهم وموجهيهم.
إن منافذ الانحراف الكثيرة في هذا العصر بحاجة إلى وعي وبصيرة في التعامل معها.
إشارة
يكذب دعوى المرجفين انحرافهم
عن الحق واستحسانهم كل باطل |
|