Sunday 19th September,200411679العددالأحد 5 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

إليك أيها الحبيب إليك أيها الحبيب
د. عبدالمحسن محمد الرشود

إن تاريخ الإنسان لا تتحدد معالمه وأحداثه وظروفه من خلال ما يمرُّ به من فترات متلاحقة ممثلة في طفولته ومراهقته وشبابه ونضجه وكهولته فقط، وإنما يرتبط بالشخصيات التي تؤثر في كينونته، وحياته بدءاً من الطفولة وانتهاءً بالكهولة.. وكلما يفقد الإنسان شخصية هامة في حياته فإنما يفقد في الواقع تاريخه المملوء بالأحداث السارّة والمؤلمة.. ذلك أن هذه الشخصيات شاركته أفراحه وأتراحه وسارت معه على الدرب الحياتي الشائك المستقيم تارة والمتعرج تارة أخرى حيث إن ذلك قدرهم وقدر الإنسان ذاته أن يلتقوا في هذه الحياة الدنيا سواء كانوا أقرباء أم أصدقاء والتفّت خيوط المحبة والتقدير ونكران الذات والعطاء دون مقابل وهذه من نعم الله على الإنسان في هذه الدنيا، أن يجد من يقف معه ويواسيه ويشجعه، ويحبه ويعطيه ويحزن لحزنه ويفرح لفرحه كل ذلكم دون مقابل.. إذا فقد الإنسان واحداً من هذه الشخصيات المؤثرة في حياته فإنما هو يخسر تاريخه الذي يتهاوى أمامه كالفيلم السينمائي ممثلاً في لوحات درامية وتراجيكوميدية، وتراجيدية في طفولة، ومراهقة وشباب.. وليس ذلك فقط، وإنما يخسر مصدراً أو ينبوعاً من الحنان والدفء الإنساني العظيم الذي لن يتكرر.. مؤكد لن يتكرر على الأقل بالنسبة له. ولا سيما إذا كان من كبار العائلة المؤثرين الفاعلين أصحاب الأيادي البيضاء والابتسامة الحلوة وكنزاً للأسرار وللفضفضة، والتربيت على الأكتاف.
- عندما توفي عمي عبداللطيف الرشود مساء الخميس، أحسست أنني آيل للسقوط، ولاعتني الفجيعة المرّة.. وباغتتني لحظة كنت أخشاها دائما.. لحظة فقد الحبيب الصديق والعم والرفيق، كان مشعلاً من مشاعل التنوير في هذا البلد، حيث شارك في البناء التعليمي في السبعينات الهجرية وأرسل مدرساً للغة العربية أربع سنين للجزائر الشقيقة حيث كان يحمل الليسانس من كلية اللغة العربية بالرياض عام 1379هـ وكان يشجع أفراد عائلته على التعليم ذكوراً وإناثاً، يحمل فكراً وسطياً جميلاً ملؤه ثراء الثقافة العربية والإسلامية، مستلهما في بواكير حياته لغة العصر والمستجدات وذلك من خلال كثرة ترحاله وأسفاره إلى أصقاع العالم، كان شاعراً لا ينشر شعره، وأديباً قصر أدبه على المقربين إليه، بعيداً عن الإعلام والمنتديات الإعلامية، مليء بالحنان والرفق مع المحيطين، يفتح الحوار والنقاش مع من يصغره بثلاثين عاماً من أمثالي يدعو إلى المحبة والسلام ولا يؤاخذ الآخرين على أخطائهم.. ويعلم الله رغم علاقتي اللصيقة به منذ كنت طفلاً لم أذكر في يوم من الأيام أن رفع صوته غاضباً أو مؤنباً، كان طبعه الاقناع والهدوء والمحبة.
- إن حزني عليك يا أبا عبدالله ليس لأنك شجعتني أكثر من والديّ وأنك كنت كريماً معي في ظروفي التي مررتُ بها معطاءً سخياً، وحنونا.. إن حزني عليك يكمن في أنك لن تتكرر، وسوف يلاقي أبناؤك وبناتك حزناً أكبر ذلك أن الفقد كبير. وأن أصدقاءك الذين أتونا يعزون والدموع في عيونهم سوف يحزنون، وأن فقراء رمضان سوف يبكون لفقدك وأن المعسرين في العائلة سوف يذكرونك كلما حلّت بهم ضائقة.. سوف يذكرك أحبتك في وزارة المعارف وفي وزارة الداخلية، وفي اللقاءات الثقافية التي كنت مشعلها.
- في هذا الزمن تقل العواطف وجسور المحبة بين الآباء وأبنائهم ولكنك يا عبداللطيف صنعت جسوراً من المحبة ليس فقط بينك وبين ابنك وبناتك ولكن كنت مع أفراد العائلة كلها سخياً بكل ما لديك.سوف أذكرك عندما تداهمني معضلة سأفتقد حواراتك في بيتك بعد المغرب وفي استراحتنا الشهرية التي ستفقدك أيضاً
- أنى لابتسامتك أن تأتي.. ومشورتك أن تسمع.. آه.. كم هي حرقة.. لكن أتمنى من العلي القدير أن يثبتك بالقول الثابت، وأن يتسامح ويعفو عنك، ويدخلك إلى فسيح جناته أيها الحبيب وأن يغفر لك ويرحمك ويتولاك بلطفه يا عبداللطيف.. ذلك أن اللطف مع الناس من شمائلك. اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك يا أرحم الراحمين.وأتقدم بالعزاء لأخي وابن عمي عبدالله بن عبداللطيف، وأخواته والعم سليمان وأبنائه ولكل أفراد العائلة ألهمنا الله الصبر والسلوان إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved