Sunday 19th September,200411679العددالأحد 5 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

ولكِنَّا.. (لمْ) نَلِجْ (عُشَّ الدَّبَابير) بعد!! ولكِنَّا.. (لمْ) نَلِجْ (عُشَّ الدَّبَابير) بعد!!
حمّاد السالمي

في نهاية هذا الأسبوع، وتحديداً في يوم الخميس، تحل ذكرى جديدة عزيزة على الوطن الرؤوم، وعلى كافة أبنائه وبناته، وعلينا أن نتذكر دائماً أن رجلاً عظيماً وكبيراً كان وراء تأسيس كياننا الوطني هذا، وهو الذي أرسى قواعد أمنه الاجتماعي والصحي والغذائي، وأن تجربته الفريدة التي خاضها قبل عشرات السنين هي أمانة في أعناقنا، فإذا نحن لم نحسن استلهامها من بعده، ولم نحافظ على أسسها ومبادئها، ولم نعمل على تعزيز حضورها في حياتنا العامة، فإنه لا خير فينا، ولا وطن كبيراً شامخاً أسسه الملك الراحل (عبدالعزيز آل سعود) -رحمه الله- يشرف بأمثالنا.
* أقول هذا القول وأنا أستعيد بين وقت وآخر قراءة كلمات سمو الأمير (عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود) ولي العهد ابن المؤسس الجليل، فكلماته تلك مفعمة بالوطنية والصدق والإخلاص، قالها وكرَّرها مرات عدة في ديوانه العامر أمام وفود القبائل وشرائح المجتمع، وكان آخر ما استمعت إليه وقرأت ما أفاض به من قول واضح على مسامع وفد كبير من رجال التربية والتعليم حين استدرك عليهم ما فاتهم - ربما - في كلماتهم أمامه، من ذكرٍ لدور المعلم والمعلمة في غرس حب الوطن في نفوس الناشئة.. ونبَّههم إلى خطورة الأفكار المتطرفة والمتشددة؛ كونها من حواضن الإرهاب المقيت.
* هذا اللقاء المهم، وهذه الكلمات النيرة، تأتي والبلاد تقف على أبواب ثلاث مناسبات غاية في الأهمية، فالحل الأمني لظاهرة العنف المنبثقة عن الإرهاب يوشك أن يضع حداً حاسماً ونهائياً لقضية أرَّقت المجتمع السعودي طيلة عامين مضيا، وهناك خمسة ملايين طالب وطالبة يعودون إلى صفوف الدراسة في مستهل عام دراسي جديد. وفي الوقت ذاته، فإن البلاد تحتفل بذكرى عظيمة عزيزة، فيها عبق تاريخي من نوع خاص، لا يماثله سواه في المنطقة.
* سمو ولي العهد -حفظه الله- قال ما قال في حق القائمين على أجهزة التربية والتعليم عن علم ودراية، وهو محق في كل ما قال، ولو كان محل هؤلاء أساتذة الجامعات أو أهل الإعلام والثقافة والتجارة وغيرهم لربما سمعوا مثل هذا القول أو أكثر، فهذه هي (الشفافية) التي ينادي بها سموه دائماً ونحبها فيه، ولكن ماذا كان سيقول -حفظه الله- لو كان لقاؤه مع أئمة وخطباء المساجد في هذا الوقت؟ ذلك أن بعضاً منهم ما زال يغرد خارج سرب الوطن، وبعض آخر ربما لا يعنيه ما جرى ويجري من عنف ضد الوطن وأبنائه.. هذا الأمر ظاهر في خطابهم وخطبهم، وفيما يرددونه عبر مكبرات الصوت، ويستطيع كل واحد منا التأكد من هذا بنفسه، حتى وهو خارج المسجد. بل هناك مساجد بدأت هذا الأسبوع في تنظيم حلقات دروس مسائية لطلاب المدارس، فهل تعرف أجهزة التربية والتعيلم شيئاً عن هذه الحلقات التطوعية الخفية؟! وهل رخَّصت لمثل هذا النشاط الذي يجري خارج عباءتها؟! وهل هناك علم بما يجري عند وزارة الشؤون الإسلامية؟! وهل هي راضية عن هذا؟! وأخيراً.. ماذا يُراد ويُزاد من قول لطلاب التعليم العام خلاف ما يشرحه ويبيِّنه المعلمون داخل المدارس؟!
* سوف يظل التعليم العام، بكل قنواته ومؤسساته، ذلك الهم المؤرق في طريق حملتنا الوطنية القادمة على الأفكار المتشددة وجذور الإرهاب. ولهذا فإن تداول ما يجري داخل أروقته من مفارقات هو جزء من تصور المشكلة القائمة، وركيزة في بنائية ما يُقترح من حلول. ومما يثير العجب في هذا السياق أن يتوافق الشيء وضده في يوم واحد؛ ففي جدة كان ولي العهد يشدِّد على مسألة التسامح ونبذ التطرف والتشدد في حقل التربية والتعليم، و(محاضرتان) تحت سقف مدرسة كبيرة في إحدى المحافظات تبعثان برسالة استفزازية متشدِّدة مضادة تحت عنوان ناعم بنعومة حواء، ثم تشنفان آذان الحشد الحاضر بما يناقض كل الخطط الوطنية لمحاربة الفكر الإرهابي، فهما جعلتا من الواقع الاجتماعي السعودي سبباً ومبرِّراً للإرهاب!! ولم توفِّرا إحدى المفكرات السعوديات، فتعرضتا لها بالشتم والمصادرة والإقصاء، وأظهرتاها بمظهر المارقة المجاهرة بالمعصية والخارجة عن الملة!! وتمنَّت محاضِرة لو كانت الباحثة الأستاذة المواطنة أمامها فتصفعها على وجهها!!
* هذه حالة تجري داخل مؤسسة تربوية في وقت يعاني الوطن كله من مثلها. وفي المنطقة نفسها وفي صبيحة يوم تفجير وقتل وتدمير بالعاصمة الرياض يقف طالب ثانوية متشدِّد محاضراً في زملائه وأساتذته، فيمتدح الإرهابي الكبير (ابن لادن)، ويقول: (لقد علمنا شيخنا بالأمس كيف نفجر بالطائرات، واليوم يعلمنا كيف نستخدم الرشاش)!!
ولما قام بعض المعلمين الوطنيين بكتابة محضر لإدارة التعليم تعمدت هذه الإدارة إلى (دمدمة) الأمر، وتغيير إفادة الطالب، وكأن شيئاً لم يكن!! بل كان شيء معاكس تماماً، تمثل في مضايقة المعلم المخلص الذي رفض هذا الإرهاب، مما جعله يترك المنطقة كلها!!
* قبل أيام مضت طارت إلى عاصمة خليجية (دكتورة أكاديمية سعودية) قادمة من جامعة سعودية كبيرة، ثم وقفت في مؤتمر عام، وبدل أن تتحدث عن بلادها وجهود دولتها رفعت يدها عالياً وهي تصرخ في استفزاز وتشنج وتشتم فئات اجتماعية سعودية، وتقول: (إنهم كفرة ملحدون، لا يصلون ولا يصومون)!! ولكن رئيس المؤتمر بكل ذكاء وفهم احتوى الموقف، فرفع يده عالياً هو الآخر وردد في سخرية عمَّت كل الحضور: (الله أكبر.. الله أكبر.. فقدنا هذا الخطاب القومي منذ زمن طويل)!! ثم عطف بالحديث إلى آثار الجزيرة العربية والخليج.
* ومن المهم في هذا الوقت أن يتذكر زملاؤنا وإخواننا في المؤسسات التربوية، عامة أو خاصة، أن زمن (الدمدمة) قد ولَّى بلا رجعة، وأن ما يخرج من بين ظهرانيهم من روايات وقصص عن حالات تطرفية حادة، يكون الطلاب والطالبات أطرافاً فيها، هو أمر مرفوض، ويتوجب وضع حدٍّ له، خاصة أن من واجبات المؤسسات التربوية اليوم المساهمة في معالجة ظواهر الغلو والتشدد، دينياً كان أو دنيوياً.
* ما زلتُ محتاراً في أمر مضى عليه سنوات، فقد كان هناك قرار يربط عودة الطلاب والطالبات باليوم الأول من برج الميزان، وهو الموافق لليوم الوطني للبلاد، ولهذا القرار الجميل القديم مراميه وأبعاده الوطنية التي لا تخفى على كل ذي لبٍّ، إلا أن تقديم عودة الطلاب والطالبات منذ بضع سنوات يثير عندي بعض الظنون، فكيف جرى القفز على قرار بهذه السهولة وتم فك الارتباط بين اليوم الوطني للبلاد وعودة أبناء البلاد إلى المدرسة؟! وما تفسير الجهات التربوية حيال الموقف السلبي المتَّخذ من بعضهم تجاه العلم الوطني الذي لا يرفع على المباني التعليمية، وتجاه النشيد الوطني في طابور الصباح؟! هل هناك تفسيرات مقنعة نحتفي بها في غمرة احتفائنا بيومنا الوطني؟!
* ومن بديهيات الأمور، خاصة ونحن نستقبل مناسبة وطنية غالية على قلوبنا، أن النجاح الأمني الباهر ضد العمليات الإرهابية على التراب الوطني الذي أخذ يتبلور في الشهور الأخيرة ليس هو نهاية المطاف؛ لأنه بحكم التخصص موجَّه ضد الظاهرة العنفية للإرهاب، والظاهرة جزء من كلٍّ، فنحن ما زلنا لم ندخل بعدُ في صلب الحل الذي يشعرنا عملياً باستئصال الأفكار الضالة التي فرخت الإرهاب، فالتشدد الديني، والتطرف الفكري، وأحادية الرأي، وحدَّة المواقف في بعض المقررات الدراسية كلها منابت خبيثة، وما زالت تشكل عشاً كبيراً خطراً يضم أعداداً كبيرة من الدبابير، والمرحلة القادمة الحاسمة لا بد أن تكون موجهة إلى (دبابير الإرهاب) في كافة أعشاشها، سواء في المؤسسات التربوية، أو الثقافية، أو الدينية، أو غيرها من المؤسسات.
* يخطئ مَن يظن أن الحل الأمني لظاهرة الإرهاب هو آخر المطاف؛ لسبب بسيط بديهي، هو أن ظاهرة العنف الإرهابي ليست سوى نتاج لعوامل التشدد الديني والتطرف الفكري، فالقاعدة هي التطرف والتشدد، والفرع والنتيجة هو العنف، والقاعدة أوسع وأرسخ، وهي أم ولود رؤوم لمزيد من العنف إذا لم تجتث.
* إذا أردنا الأمن في البلدان، والسلامة في الأبدان، وجب أن نبقي أعيننا مفتوحة على الدوام، وأن نبقي عصا الحل الأمني مرفوعة على الدوام، في الوقت الذي نعمل فيه جاهدين على صياغة أهداف وطنية وأدوات عملية تنتج ثقافة منفتحة ومتسامحة، وتضع المجتمع السعودي بكافة أطيافه على بوابة التاريخ المعاصر، بعيداً عن طروحات الظلاميين والكهفيين التي وضعتنا في قفص الإرهاب.
* سوف يهلك الخارجي الكبير (ابن لادن)، ويهلك معه كافة الخوارج من أتباعه، لكن فكر الخروج والمروق سوف يظل ساكناً في نفوس مريضة، تنتظر الفرصة المناسبة للبروز والتعبير عن نفسها من جديد ذات يوم. وما لم ننتبه لهذه الحقيقة وهي مرة فسوف نجد أنفسنا في المستقبل أمام تجربة (بنلادنية) جديدة أشد مرارة من ذي قبل، فقبل ربع قرن فرحنا بهلاك الخارجي (جهيمان) وأتباعه، ثم ركنَّا إلى السكون والدعة، وأغمضنا أعيننا عن فكر (جهيماني) ينمو ويكبر بيننا، حتى صحونا على الدماء وهي تسيل بين ظهرانينا.
* الحل الأمني جزء من حل كبير وطويل، يقوم على صياغة معاصرة لأهداف سياسية واجتماعية وثقافية، تحفظ للوطن وحدته، وتوفر للمواطن عزته وكرامته واحترامه على هذا الكوكب.
* سوف أهنئ نفسي، وأهنئ وطني بهذه المناسبة العظيمة السعيدة، لكني سوف أظل أتذكر في مقبل الأيام أنَّا نحارب أعداءنا وأعداء وطننا بكل صدق وإخلاص وقوة، ولكنا لم نَلِجْ بعدُ العشَّ الكبير الذي نفر إلينا من بين دبابيره وزنابيره مَن يجرؤ على التفجير والقتل والتدمير تحت سماء الوطن الجميل.

027361552: fax


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved