عندما ننظر إلى الفن الشعبي القديم نظرة تفحص وتعمق نجد أن لكل منطقة عدة ألوان يميزها.. وتعتبر تاريخا فنيا حافلا لها.. ومع الكثرة الكثيرة لتلك الألوان الشعبية (الفلكلورية) لاتزال مبعثرة ومجزأة.. ولا تعرف أصولها.. ومنابعها مما يجعلها عرضة للعبث والضياع..
وبرغم تعداد تلك الألوان الشعبية المختلفة في العديد من مناطقنا.. وبما تتميز به من تصوير دقيق هي تلك العادات والتقاليد التي فرضتها ظروف البيئة.. فمثلا المدن الساحلية التي تطل على البحر.. تجد أن فنونها بإيقاعية مخاوف البحار.. وهولها، وكذلك بالنسبة للمدن الزراعية تستلهم فنونها من واقع البيئة.. تتناسب مع خرير الماء.. وأنين السانية.. ومواسم الحصاد.. والغرس.. وكالبدوي في السهول والوديان يترنم بأنغام قريبة من واقعه.. اكتسبها من حفيف العواصف.. وحرارة الشمس.. من رغاء الجميل.. وحدائها..
لذا كانت الفنون الشعبية هي رجع الصدى للحضارة التي نعيشها.. هي الروح المعبرة عن أصالة هذه الأمة وعراقتها في التاريخ..
إن ما يقدم من برامج لإحياء تلك الفنون لا تزال قاصرة عن أداء رسالتها تجاه تلك الفنون.. لتكرار ما تقدمه من ألوان شعبية استهلكتها.. وأعطتها أكثر مما تستحق.. إننا نبحث دائما عن الكنوز الدفينة من تلك الفنون لإمكانية التعريف بها.. حيث لابد وأن يكون هناك تقص وبحث شديدين.. لا أن تقتصر تلك البرامج على المساجلات النبطية (المراد) وذكر خصائل فلان.. وقدح لعلان.. حبذا لو صيغت معظم المآثر الشعبية بصياغة تمثيلية، لأن ذلك أجدى خاصة وأنه يمكن الإفادة من هؤلاء المتكدسين في البرنامج بكتابة قصصهم.. أو قصائدهم وإرسالها للبرامج.. ليمكن النظر فيها دونما مجاملة..
لقد تابعت العديد من هذه البرامج، ولم أجد ما يشدني إليها إلا النادر منها.. خاصة وأن هناك ألوانا عديدة.. لأقاليم لم تحظ ولو باليسير.. ولاسيما وهو حق لها.. مشاركة في إعطاء صورة عن فنونها.. والتعريف بها.
كل ما أرجوه أن تعمل هذه البرامج ما بوسعها لكي تعكس الصورة الحقيقية عن فنوننا.. في عموم هذه المملكة التي تعتبر من أغنى دول العالم في هذا التراث.. الذي استنبط منه الغرب معظم آثاره وحولوه إلى رقصات شعبية.. فلا نستغرب إذا سمعنا أن رقصة (الروك أند رول) الغربية تؤدى على إيقاعات العرضة النجدية.. ليس هذا الاقتباس فحسب بل الكثير.. الكثير من فنوننا أصبحت عرضة للنهب والاقتباس.. لو اهتمينا بها وطورناها لما استطاع أحد أن يجرؤ على سلبها.. وعدم الإشارة إليها دون تلميح.. أو تصريح..
المحرر |