ألم في الوجه سبّب لي أذى كثيراً، كان حاداً جداً لدرجة أنني كنت أبكي من ضراوته، لم أستطع أن أتحرك أو أن أترك السرير لمدة ستة شهور، بل لعامين كاملين، ببساطة لم أكن أمارس حياتي). هذه الكلمات ليست صادرة من ضحايا أمراض القلب أو آلام الظهر، لكنها كلمات أولئك الذين يقال إنهم يعانون من حالة مرضية تسبب للمصاب كثيراً من الألم والكآبة والإعياء، إنه التهاب الجيوب المزمن، المرض الذي يصيب الآن أشخاصاً أكثر من أي وقت مضى.
وهناك أسباب تؤدي إلى انتشار هذا المرض منها التلوث البيئي واستعمال المواد الكيميائية في المنازل.. وهذا الالتهاب الدائم للتجاويف يستقر داخل الخدود والجبهة وبين وأسفل العيون، ويتزايد المرض بشكل خطير لا سيما وأنه لا يزال غير مفهوم بشكل جيد، وفي أغلب الأحيان يتم تشخيصه بشكل خاطئ ومن الصعب جداً علاجه. ولو تُرك المرض ينتشر من دون السيطرة عليه فسوف يتسبب في إصابة الدماغ بل ربما يسبب العمى، ولا يعرف أحد بالضبط السبب في وجود الجيوب، وهذه الجيوب الهوائية قد تخفف من وزن الرأس، وتجعله أقل تعباً وإرهاقاً. وقد تساعد هذه الجيوب على إثارة الانتباه لحدوث صدمة للدماغ، ومن المؤكد أنها تساعد على مقاومة الأمراض، فكل يوم تنتج بطانات الجيوب نحو ربع جالون من مادة مخاطية، عبارة عن سائل مليء بالخلايا المناعية التي تهاجم الميكروبات والفيروسات القادمة قبل أن تنجح في اختراق حوائط الجسم.
وعلى الرغم من المحاولات المبذولة من أجل مقاومة المرض، إلا أن شكل وتصميم الجيوب يجعلها عرضة للعدوى؛ فثغرات التصريف الصغيرة توجد في قمة وليس في قاع التجاويف الأكبر، حتى يتم التخلص من السائل الذي تنتجه باتجاه الأعلى. وهذه الثغرات الصغيرة من السهل إغلاقها (نزلات البرد أو الحساسية يمكن أن تفعل ذلك) ومن ثمّ تصبح الجيوب بمثابة مستنقعات مظلمة مسدودة، وهو ما يسميه اختصاصي الجيوب ولينغتون تيتشينور (Wellington Tichenor) بيئة مناسبة تماماً لنمو الجراثيم الضارة، ومن هنا تأتي العدوى.
الهجوم على الأحاسيس
لأن الشقوق المصابة تعشعش تماماً بجانب العيون والفم والأذن والأنف، فتصبح كل الأحاسيس واقعة تحت الهجوم، ويتعرض الشخص المصاب لآلام في كافة أنحاء الوجه والرأس، ولأن الجيوب لا يفصلها عن الدماغ سوى غشاء رقيق في سمك قشر البيض، فكما يقول تيتشينور فإنه من المحتمل عندما تلتهب الجيوب أن يصاب الدماغ كذلك.. لذا، يمكن أن تتأثر جميع أنواع الوظائف الأخرى.
فيقول أحد المرضى ويدعى إليس ماكاي من مدينة سولت ليك: (عانيت من هذا المرض منذ ثلاث سنوات، وكنت أفتح عيوني بالكاد، وأصابتني حالة دوار، ولم أكن أستطيع النهوض، وكان الألم يعتصرني في وجهي، وتوجهت إلى غرفة الطوارئ في المستشفى، أخيراً بعد أن أصبت بالصمم في أذن واحدة).
وتبدأ معظم الإصابات في الجيوب بما يشبه الإصابة بنزلة برد تزداد سوءًا، وإذا تم اكتشافها مبكراً فمن الممكن علاجها خلال شهر أو نحو ذلك.
لكن لأن العديد من البكتيريا التي وجدت داخل الجيوب المصابة هي البكتيريا الخارقة الجديدة القادرة على مقاومة المضادات الحيوية، فالأمر يصبح أكثر إلحاحاً لمعالجة الجيوب قبل أن تتحول إلى مرض مزمن.
وتقول إحدى السيدات التي أخذت أنواعاً كثيرة من الأدوية خلال الشهور الخمسة الأولى من الإصابة بالمرض: (لم أكن أعرف أن شركات الأدوية أنتجت مثل هذا الكم من المضادات الحيوية المتنوعة).
والخطر الكامن من وراء هذه الإصابات طويلة الأمد هو أنها تزيد بشكل كبير من احتمالات الإصابة المستقبلية، وتساهم في تحول بطانات الجيوب إلى الأسوأ دائماً. ويقول هارفي بلاس، مؤلف مشارك في الكتاب الذي سيطرح في الأسواق قريباً تحت عنوان: الإغاثة من التهاب الجيوب)، إنه في بعض الأحيان يزداد الأمر سوءًا ويتحول التهاب الجيوب من مرض معدٍ إلى مرض ملتهب، حينئذ يصبح الأمر مختلفاً تماماً.
وبالنسبة للمرضى المحتملين، تبدو الجيوب شديدة الحساسية، وتستجيب لمواد في الهواء كانت تعتبر في السابق أقل خطورة.
ويقول بلاس: إن الأمر لا يكمن فقط في أن هناك الكثير من الكيماويات في الحياة اليومية، بداية من التلوث الناتج عن السيارات ووصولاً إلى المواد الكيماوية في السجاد والأثاث، وإنما الكثيرون لا سيما الذين يعانون من المرض أصبحت لديهم حساسية أكثر شدة لتلك المواد والملوثات عن ذي قبل. ولا يزال من غير المعروف ما هو السبب الدقيق لإصابتنا بالحساسية المتزايدة، إلا أن إحدى النظريات تقول إننا ضحايا غافلون لنجاحنا، حيث إن الاستعمال الواسع الانتشار للمضادات الحيوية واللقاحات أدى إلى حدوث تشوش في النظام المناعي، فأصبح يستجيب للأشياء الضارة. وبعد تعرض الجيوب للعدوى الضارة الكافية، تخضع بطاناتها الحساسة لتغييرات كيماوية مما يجعلها نشطة جداً إزاء الأشياء التي تعايشت معها بسهولة قبل ذلك.
السبيل الأخير
مهما كانت الأسباب، فعندما يصاب الشخص بالتهاب الجيوب المزمن يصبح من شبه المستحيل التخلص منه كلية على الرغم من أنواع العلاجات المتوفرة.
وفي حقيقة الأمر، لا تزال العمليات الجراحية هي السبيل الأخير لعلاج الكثير من الأمراض، وهناك نحو نصف مليون شخص مصابون بالتهاب الجيوب يلجأون للعلاجات الجراحية كل عام. والأساليب الجراحية المستخدمة في السنوات الخمس الماضية تجعل الجراحة أكثر أماناً، ولكن نظراً لأن الخبرة الشاملة لا تتوفر إلا عند القليلين من الجراحين، وفي الوقت الذي تتشابه فيه هذه الجراحة بجراحة الليزر للعيون، يصبح من الضروري البحث عن جراح متمرس عنده خبرة كافية في إجراء مثل هذا النوع من العمليات الجراحية، لا سيما وأن الجيوب لا تبعد سوى قيد شعرة عن العصب البصري وعن الشرايين الرئيسية المتجهة إلى الدماغ بل وعن الدماغ نفسه، ومن هنا يصبح من السهل جداً حدوث مضاعفات من زلة مشرط جراح.
|