غالبا ما ينهي كل طبيب جلسته مع أي من مراجعيه بإعطائه وصفة الدواء المناسب لحالته أو على الأقل بإعطائه نصائح هامة أو توصيات وقائية مفيدة، لكن هل يكتفي المريض أو مرافقوه بذلك ؟.. معظمهم سوف يرى أن الطبيب أغفل نصائح هي الأهم تتعلق بنوعية الطعام التي يجب أن يتناولها المريض أو أن يمتنع عنها، وغالباً ما يتوجهون للطبيب بنظرة الواثق المنتصر ويطرحون عليه السؤال التاريخي التالي: وماذا عن البيض والسمك والبهارات يا دكتور ؟.. قد تكون لهذا السؤال أو بالأحرى للإجابة عنه فائدة جمة في حالة كان المرض هضمياً أو باطني المنشأ لأن الكثير من الأطعمة قد تسيء للعديد من الأمراض مثل تهيج القولون والتهابات المعدة أو الأمعاء على اختلاف أنواعها أو حتى بعض أمراض الجهاز البولي.
ونحن كأطباء أخصائيين في أمراض الجلد غير مستثنين من هذا السؤال الهام الخاص بالبيض والبهارات، وكثيراً ما نفاجأ باعتقادات ثابتة من الصعب على أعلى الأطباء زحزحتها قيد أنملة: يا دكتور تناول السمك واللبن يسبب البهاق..
هذا ما حصل لابنتي تماماً ، تناولت حليباً وبيضاً فظهرت عندي الأكزيما، أنا واثق يا دكتور أن كثرة تناول والدي للبهارات والقهوة هي سبب الصدفية عنده ولطالما نصحته بالتقليل منها، كله من الشوكولا والفستق لولاها وجهي هكذا...
والكثير الكثير مما نتعجب لسماعه ونبتسم عندما نفاجأ بثقة الناس به.
وفي الحقيقة فإن العلم لم يثبت حتى الآن أي علاقة بين هذه الأطعمة المتهمة وبين الكثير من الأمراض الجلدية الشائعة، فلا السمك والحليب يسببان البهاق ولا الشوكولاتة والمكسرات تسبب حب الشباب ولا البهارات تسبب الأكزيما، ولا يوجد حتى الآن أي دراسة أو تقرير علمي أثبت هذه الصلة لأن مسببات معظم هذه الأمراض معروفة، فأكزيما التلامس التي تشاهد بشكل شائع عند العديد من البالغين تنجم في غالبية حالاتها عن عوامل محسسة خارجية وتوجد حالات مختلفة منها تظهر في الأشهر الأولى من العمر تتهم بعض أنواع الأطعمة مثل الحليب والشوفان بتحريضها ومن الواضح أننا لا نستطيع أن نعمم ما هو خاص، أما البهاق والصدفية فهما مرضان لم تفهم مسبباتهما بشكل دقيق حتى الآن، وقد تكون أسبابها خاصة بمناعة الجلد الذاتية ولا يمكن لأنواع الأطايب والأطعمة أن تكون سبباً في إثارتها أو حتى مفاقمتها.
كذلك هو الحال بالنسبة لحب الشباب ذي الأسباب المعروفة وحتى الثعلبة وغيرها من الأمراض التي يتجنى فيها الناس على القهوة والمكسرات وحتى على المياه التي يشربها أبناء آدم منذ أبد الآبدين. لذلك أنصح كل الناس بعدم الجري وراء هذه الاعتقادات الخاطئة التي طالما حرمت أطفالاً أو حتى بالغين من أطعمة شهية ومفيدة كالسمك واللبن، ولطالما جعلت مرضى كثراً يعانون شعورا محزنا بعقدة الذنب كونهم سبباً مباشراً أدى لظهور مرضهم أو على الأقل ازدياده، وأدعو كل الزملاء الأطباء إلى الكف عن نصح مراجعيهم بالابتعاد عن قوائم أطعمة معدة سلفاً يرفقونها مع كل وصفة أو كل إجراء طبي إرضاء لرغبة المريض. أخيراً أقول ارحموا السمك والبيض واللبن والبهارات إلخ..... دون أن تنسوا أن الإفراط بأي شيء ضار وله آثار سيئة أخرى هي أهم بكثير من الأكزيما أو حتى من حب الشباب.
عيادات ديرما الرياض |