علينا أن ندرك أن نجاح أي مجتمع ونهضة شعبه وصلاح أبنائه وازدهاره يبدأ من خلال إيمان المعلمين برسالتهم وقناعتهم بدورهم وجدهم في الوفاء بواجباتهم المنوطة بهم ، وما دمنا نعايش بداية العام الجديد 25 - 1426هـ ، فمن الأهمية بمكان ان نذكر أهل ميدان التربية والتعليم بأن مسؤوليتهم تحتم عليهم ان يعقدوا العزم على بذل جهود جبارة في العمل الصادق ومن اللحظات الأولى في عامهم الجديد ، من أجل النجاح المأمول لهم ولطلابهم .
والإخلاص هو الطريق المؤدي إلى بلوغهم آمالهم ، مستفيدين من عثرات العام الفارط ومتوكلين على الله في إعطاء أفضل ما عندهم ، معتمدين على تجاربهم الناضجة والخبرات السابقة ، ساعين إلى الإفادة من التوجيهات والتوصيات المقدمة لهم من اخوة سبقوهم إلى الميدان.
وليعلم المعلمون أن المشرفين التربويين واجبهم يحتم عليهم ان يعملوا مع المعلمين لا بقصد الأخطاء وليس من اجل إملاء توجيهاتهم ، ولكن من أجل الارتقاء بالعملية التعليمية وهو ما يدون في سجل زياراتهم ، فليكن المعلم على قدر المسؤولية في فهم هذه العلاقة ، وليدرك أنه مسؤول أمام خالقه في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. والمعلم أسوة حسنة لطلابه الذين يعقدون أعينهم به ، فهو مثلهم الأول في خلقه ونبله وعطائه وتصرفه وسلوكه وانضباطه وحديثه والتزامه ، ومن اكبر العيوب أن يأتي المعلم بنقيض ما يوصي به طلابه ، لان ذلك سيمثل لهم بمثابة النكسة .. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. كما ان المعلم ملزم بالمحافظة على دوامه المدرسي حضورا وانصرافا ، ومطالب بالمشاركة في فعاليات مناشط مدرسته ليس من اجل المشاركة فحسب ، ولكن لان الأنشطة لم تعد مضيعة للوقت وليست ترفاً ، ولكنها جزء مهم من العمل التربوي وظيفتها صنع شخصية الطالب وبناء سلوكه وتغذية خبراته ومعارفه.
وميدان التربية يحفل بالجديد والمفيد مثله مثل ساحة الطب ، فلا يبخل المعلم على نفسه بالاستفادة من الوسائل التعليمية الحديثة التي تحقق لطلابه أقصى مهارات التعلم ، وتحقق لهم التفكير المبدع وتساعدهم على التعلم الذاتي المطلوب ، بل على المعلم تطوير قدراته وتحديث مهاراته ولو عن طريق بيوتات الخبرة ومناشط إدارته التعليمية وأساليب المشرفين التربويين والتي كلها تصب في خانة الارتقاء بعناصر العملية التعليمية والعلم أحد أركانها المهمين.
ولابد من قناعة المعلم برسالته وبما يقدمه لطلابه ، وان يؤمن بأن أساليب العقاب المختلفة لم تعد صالحة لأبنائنا في المدارس ، فضبط سلوكياتهم وإدارتهم وتوصيل المعارف والمهارات والعلوم إلى عقولهم لا تحتاج إلى (العصا) ، ولكنها تحتاج إلى الخبير الفنان المعلم العاشق لمهنته الذي يتمتع بالصبر والحنو والرحمة والعطف ، ويدرك أن معاملته مع طلابه يجب ألا تقوم على أساس عمودي هو يطلب ويأمر وينهى وعليهم الوجوب والطاعة والصمت ، بل علاقته معهم ينبغي ان تقوم على أساس أفقي يسودها تقدير المشاعر واحترام آرائهم وسماع شكاواهم ومشاطرتهم أحاسيسهم ، وبديلا لأساليب العقاب أساليب الثواب التحفيز والتشجيع وما اكثر طرقه المتمثلة في لوحات الشرف وبطاقات المتفوقين والهدايا واعلان الأسماء في الإذاعة وغير ذلك.
وهذه المهارة من المعلم تتطلب منه ان يلم بخصائص طلابه العمرية والنفسية والاجتماعية ، مع مراعاة الفروق الفردية في ذلك دون ان يلغي خصوصياتهم تلك ويتعامل معهم على أنهم فقط طلاب عليهم ان يحفظوا ويحلوا ويحضروا فقط لان ذلك خطأ. ومن الأمور المهمة في حياة المعلم الوظيفية حرصه على علاقته بزملائه في المدرسة وبطلابه وأولياء أمورهم ، فالعلاقة التي تقوم إلى الاحترام والتقدير تحفظ للمعلم كيانه ومكانته ، بعكس لو تصرف معهم بصلف وجفاء وقسوة في الطباع والمعاملة ، بل العلاقة المهنية التي تقوم في إطارها الإنساني على الحب والاحترام هي المطلوبة والمعينة على العطاء ، كذلك اهتمامه بإنجاز أعماله المتعلقة بالتدريس مثل (كراس التحضير) فهو خير معين على التخطيط لدروسه والإعداد الذهني لحصصه .
وكذلك اهتمامه بكشوفات الدرجات والسجلات والاطلاع على التعاميم الجديدة والإلمام بما ورد فيها ، وقراءة ما يدون من قبل مدير المدرسة الذي يعد مشرفاً مقيماً وملاحظات المشرف التربوي وان يسهم في اجتماعات مدرسته وفي مناشطها وحفلاتها بما يرقى لدوره ويسهم في الرقي بمدرسته داخل المجتمع ، فدورها تعدى الدور التعليمي فقط إلى أدوار ورسائل أخرى خاصة في مرحلتنا الراهنة التي تفرض علينا ان نربي في أبنائنا الطلاب روح الحب والسلام والتحاور مع الآخر ، وقبول الآراء دون صدام والاحتكام إلى لغة العقل والحوار والمشاركة في بناء الوطن ، وتعلم عدم إقصاء الرأي أو اعتناق أفكار لا تخدم الإسلام ولا تسهم في خلق وطنية صادقة ، وان نربيهم على معرفة الثقافة الانتخابية والبرلمانية التي ينشدها الوطن.
هذا باختصار دور المعلم ورسالته وما ينبغي ان يسير وفقه في هذا العام الجديد وكل عام ، وان يصرف نظره عن المطالب التي قد تنم عن تقاعسه في ميدانه وتتعارض مع همته كمرب للناشئة ، أو تعكس لطلابه ومجتمعه عن ضعف في عشقه للمهنة التي لا تقبل إلا من يعشقها ويعطيها أقصى جهوده.
|