لقد استمتعت بحديث معالي مدير جامعة الملك عبد العزيز الدكتور أسامة طيب، المنشور في (المدينة) يوم الأربعاء 18- 6-1425هـ وإنني أؤكد، انني وغيري نتفق ونختلف مع مدير الجامعة فيما يقول ويؤكد، لا سيما في الأمور التي يرد فيها على أسئلة صحافية كهذه وتكون الإجابات عائمة، تحتمل الايجاب والسلب، وانه غير مقبول في جوانب ينبغي أن تكون الاجابات مقننة وبأمثلة!.
* إنني سوف أقف على الردود القائمة التي ألقى بها مدير الجامعة، وهو يعلم أن هناك قراء يمحصون الأقوال، ويريدون أن تكون إجابات المسؤول مثل مدير جامعة دقيقية.. ولعل الأجوبة القائمة تركن إلى شيء من تهرب، لكنها محسوبة على صاحبها.. ويطالب القارئ الواعي بأن يقول المسؤول: لا، نعم، وأمور أخرى خلافية، يؤكدها مدير الجامعة، وعند غيره مسألة فيها نظر كما يقول الفقهاء، وهذا ما يحمل أمثالي على التوقف عندها وكتابة تعقيبات تركز على الايجابي والسلبي، اتكالاً على منطق الحوار الجاد، لرد الحق إلى نصابه والواقع إلى مساره، وفوق كل ذي علم عليم!.
* وأؤكد للدكتور أسامة طيب، أن العقلاء، لا يقولون بشراء (جامعات) لقبول جميع خريجي الثانوية العامة، وإنما هم يمكن أن يلقوا بآرائهم في المتاح، وكذلك التحرك بعزيمة وجدية وطموح، لا أقول لتحقيق المستحيل، وإنما القيام بمعالجة للشيء المهيأ، لإمكان الاستفادة من بدائل، وهذا ضد ما يمكن أن يقال: إن هذا هو المتاح والممكن، فهذه المقولة تعنى بالجمود والرضا والاقتناع بالواقع، وهذا ليس منطق الحياة الجادة، وضد الطموح الذي ينبغي أن يكون سبيل الأمة الناهضة.. وأكبر الظن أن معالي الدكتور يدرك هذه المعاني ومعطياتها.. ولو قال الدكتور مدير الجامعة إن التغيير والتعديل ليس من صلاحياته لعذرناه، ولكن بدون التمسك والدفاع عن الحال القائمة، التي فيها المزيد من الخلل، ويمكن أن تعالج لتؤدي نتائج مرضية بالإمكانات المتاحة، وسآتي عليها إن شاء الله، ولكن بدون أن نسمع لهجة أن ما يطلب غير ممكن، لأن الإرادة الحقة تقول ممكن بعزم مضاء، من أجل عمل أفضل، ولست ألقي درساً على معاليه وكيانه الكبير، وفيه أولو الرأي، لكنهم قد لا يملكون إرادة الإصلاح والتغيير!.
* إن ما يصرف للطلبة باسم مكافأة، وهو مسمى خاطئ يبلغ في الشهر نحو ثلاثين مليون ريال، وفي تقديري إن نسبة ضئيلة المحتاجة إلى هذا المبلغ، وطلب العلم يحتاج الى تضحية، وقد رأيت في بريطانيا وبعض البلاد الأوروبية طلاباً يدرسون الطب، ونجدهم في مطاعم الفنادق يخدمون الزبائن في تقديم الطعام صباحاً، من أجل أن يحصلوا على ما يعينهم على حياتهم، ونحو لو حاولنا توظيف360.000.000 ثلاثمائة وستين مليون ريال سنوياً، لحقق هذا المبلغ شيئاً مما نحتاج إليه في التوسع التعليمي، في الطب والعلوم وما إليها!.
* في ظني أن أقساماً مثل: العلاقات العامة والصحافة، والتاريخ والجغرافية وأمثالها، يمكن تقليصها، والاستفادة مما ينفق عليها في الطب والعلوم ونحوها.. وهل معقول أن جامعتنا الأولى، جامعة الملك سعود مضى على إنشائها ثمانية وأربعون عاماً، وكلية الطب فيها افتتحت في عام 1389هـ، أي منذ ست وثلاثين سنة، ومع ذلك فلا يوجد في أي من جامعاتنا قسم للصيدلة، وهل من المنطق في شيء، أن نسبة السعوديين من الأطباء لا تتجاوز 10% والباقي أجانب!؟
* إن الدول التي فيها زحام في الدراسة، جنحت إلى عمل دوامين للدراسة صباحية ومسائية للتغلب على الأزمة، وبلادنا قادرة على تحقيق ذلك في التخصصات التي نحن في أمس الحاجة إليها.. أما مقولة مدير الجامعة ان توفر كفاءات لبعض الدراسات أمر عسير، فإنني أرى غير رأي مدير الجامعة، ففي العالم المتقدم المزيد من الكفاءات التي نحتاج، وليس في الأمر استحالة، لكن المهم في اتخاذ القرار بالتوسع، فمن الذي يملكه..؟ ولعل مشكلتنا، وهي قضية مهمة، أننا لم يكن عندنا تخطيط يواكب ازدياد السكان من خلال إحصائات، ونشرع في ضوء ذلك الحسابات التي يكون فيها احتياطي لهذه الأعداد من الطلبة التي ظهرت فجأة، فأربكت مسيرة التعليم من جهة، ومن أخرى أن الميزانية المخصصة للتعليم بعامة، يذهب منها 80% مرتبات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن 20% من هذه الميزانية وهو الباقي، أن يحقق نسبة ذات قيمة من التعليم بكل المقاييس، ولو قدر أن بلغت المرتبات مثلا 40% لكان الباقي 60% يسير السفينة، إلى وقت قصير لتزيد نسبة شيء أساسي في حياة الشعوب الطامحة العاملة، وهو: التعليم والصحة، لأنا رأينا ان الدول المتقدمة يأتي دور التعليم في الانفاق عليه للنهوض به بعد التسليح مباشرة!.
* وهناك مجال آخر، قد يكون بديلا إلى حين، وهو الابتعاث إلى جامعات قوية معترف بها، ليدرس فيها من لا يتاح له الدراسة في جامعاتنا، في مجالات الطب والصيدلة والعلوم.. ولعل هذا أيسر مما يعيق التوسع في جامعاتنا لأنها عاجزة عن تحقيقه! إن التعليم الذي نحتاج إليه لا يتم بجرة قلم وقرارات نمطية، ولو قدرنا مهمتنا التعليمية والارتقاء بها، لجددنا في العمل وأنفقنا كما ينبغي، وأعطينا القوس باريها، وبعيداً عن الوعود وأحلام شهرزاد، فكل ذلك لا يؤدي إلى طموحات أمة جادة عاملة، ولا الواعدين!.
* إنني لا أذهب بعيداً إذا قلت إن ثمة ترهلا في العدد الكبير لقطاع التعليم العام والجامعي، وهذا ما أدى إلى نزيف ميزانية التعليم مرتبات، والعائد ينفق على تعليم مهزوز وضئيل، وهذه الحال ليست عندنا وحدنا ولكنها في كثير من الوطن العربي بنسب مختلفة، ونحن واجدون نسباً متميزة بأداء واجبها كاملا، بل إن فيهم من يصل إلى حد الإرهاق والمرض من الأعباء التي توكل إليه ويتحملها، وبجانبه أنماط من المعلمين في جميع المراحل سادرين، إذا كلفوا بعمل لا يؤدونه، لذلك فقد تحمل المخلصون الجادون واجبات غيرهم، وأولئك يتقاضون مرتبات بلا مقابل.
* هذه الحال القائمة عندنا وعند غيرنا شيء لا يليق، والتعليم في مراحله كلها ليس - تيكية - واللوائح والنظم تقول إن الراتب للوظيفة، إذاً فالذي لا يؤدي واجب الوظيفة لا يستحق المرتب.. وفي جامعاتنا، وهذا ما أعرفه توجد لائحة تعنى بتقويم الأستاذ الجامعي، وحددت زمناً لارتقائه العلمي والعملي، إذا لم يحقق المراد من أدائه، فهناك إجراءات تتخذ بحقه، حتى لا يصبح عبئاً، وهو على حاله يتقاضى أجراً شهرياً وعلاوات بلا حق. لكن جامعاتنا غضت الطرف عن تنفيذ نصوص هذه اللائحة، فأساءت إلى التعليم، فأصبح متدنياً إلى جانب انفاق بلا مقابل لمن لا يستحق لأنه لم يؤد واجبه، والتفريط في الامانة أمر يحاسب عليه المقصر والمفرط.. ولعل مجلس الشورى الموقر يلتفت إلى هذا الموضوع المهم، فيبحثه ويشرع في معالجته وإصلاحه بالحق، لتوفير أموال مهدرة، ينبغي أن تنفق على وجهها لأنها أموال عامة.
|