******
الكتاب:and Power, West: China and East Asia Future of the
المؤلف: Patten Christopher
الناشر: House, 1998Times Books-Random
******
عرض كتاب كريستوفر باتن مفوض الشئون الخارجية بالاتحاد الاوروبي (الشرق والغرب: الصين والطاقة ومستقبل آسيا) يمثل متعة كبيرة للمهتمين بمعرفة مستقبل قارة آسيا في ظل الاوضاع السياسية والاقتصادية القائمة. وقد رفض إمبراطور الإعلام والنشر الاسترالي روبرت ميردوخ نشر هذا الكتاب تملقا لنظام الحكم في الصين.
ففي ظل الطموحات الإعلامية لميردوخ في شرق آسيا فإنه استجاب لاستياء نظام الحكم الصيني من كلمات باتن التي وردت في هذا الكتاب.
من ناحيتها، وصفت الحكومة الصينية باتن الذي كان آخر حاكم بريطاني لمستعمرة هونج كونج قبل عودتها إلى الصين منذ 14 عاما تقريبا خلال المفاوضات بشأن شروط عودة هونج كونج للسيادة الصينية بأنه (راقص تانجو). وفي كل الأحوال فإن كتاب باتن يستحق القراءة. فهو يمتلئ بالعديد من الرؤى العميقة لقارة آسيا وكاتبه هو آخر حاكم بريطاني لآخر مستعمرة بريطانية في آسيا.
ولكن البعض يشعر بخيبة أمل لأن الكتاب لم يتضمن الكثير من الروايات المثيرة عن علاقة باتن مع السلطات الصينية.
عندما جرت مراسم تسليم الصينيين السيادة على المدينة من جانب مستعمريها البريطانيين شاهدنا الشموخ الذي أدار به باتن وأسرته بالكامل هذه العملية. وقد كان باتن يحظى بتقدير كبير من جانب سكان هونج كونج المحليين. وبعد انتهاء هذه المراسم غادر باتن بصحبة ولي عهد بريطانيا الأمير شارلز الذي حضر المراسم على متن اليخت الملكي بريطانيا. وقد كان حدثاً مثيراً بالفعل.
وعندما عاد باتن الى هونج كونج مرة أخرى للترويج لكتابه لاحظ الكثيرين دفء الاستقبال الذي حظي به الحاكم السابق للمستعمرة البريطانية.
فقد انتظر السكان المحليين من جنسيات عديدة لعدة ساعات من أجل مصافحته وتقديم اطيب التمنيات له وطلب كتابة إهداء لهم على نسخ الكتاب الذي اشتروه.
وقد توحي نظرة سريعة على فهرس كتاب باتن إلى اهتمام الكاتب برصد التطورات السياسية في شرق آسيا وعلاقتها بالحريات الفردية التي يؤمن بها الرجل بشدة.
ويرصد الكتاب المحاولات التي بذلها كريس باتن على مدى السنوات الخمس التي أمضاها حاكما لمستعمرة هونج كونج من أجل جعل تلك القيم الخاصة بالحريات الفردية جزءا من العقيدة الراسخة لسكان المستعمرة.
كما شمل الكتاب الكثير من الاقتباسات من الفلاسفة الآسيويين والمراقبين الغربيين عن التطورات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الدول الآسيوية.
وقد كان هذا السياسي البريطاني المخضرم موفقا للغاية في اختياره لهذه الاقتباسات بحيث تأتي في سياقها المناسب تماما.في الوقت نفسه شن الكتاب هجوما شرسا على مؤيدي (القيم الآسيوية) باعتبارهم تبريريين يحاولون استغلال هذا المصطلح من أجل استمرار القمع في هذه المنطقة المهمة من العالم.
يقول باتن في الكتاب (من غير المناسب على الإطلاق الحديث عن السمات الإقليمية عندما نناقش قيما عالمية إنسانية مثل حقول الإنسان. فمثل هذا الخلط لن يؤدي إلا إلى تشتيت محور النقاش ويبعدنا عن فهم كيفية تطور الاقتصاديات الآسيوية).
ويفند الكتاب مقولة أن الوضع الثقافي والتاريخي الاستثنائي للصين يفرض التعامل مع التنين الأصفر بطريقة مختلفة حتى فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في الصين.ويؤكد باتن في كتابه أن استمرار أنظمة قمعية في الحكم في أي دولة من دول العالم بما في ذلك الصين ينطوي على مخاطر كبيرة على العالم أجمع.
ولكن للأسف الشديد لم يحاول الحاكم البريطاني الأخير لهونج كونج أن يبدد الأسطورة الراسخة بأن هونج كونج هي أكبر فردوس للاقتصاد الحر في العالم وهي الأسطورة التي تروج لها مؤسسات مرموقة في العالم مثل هيرتدج فاوندشن (مؤسسة التراث) الأمريكية وصحيفة (وول ستريت جورنال) الاقتصادية الأمريكية المرموقة التي تضع هونج كونج كواحدة من أكثر مناطق العالم من حيث الحرية الاقتصادية.
فالواقع مختلف تماما عن هذه الصورة الأسطورية منذ عودة هونج كونج إلى الصين حيث وجدنا الحكومة المحلية تتدخل في عمل سوق الأوراق المالية للدفاع عن قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.
كما أن هذه الحكومة أصبحت أكبر مالك للأسهم في السوق المحلية بعد أن اشترت حصصا في أسهم الشركات المحلية زادت قيمتها على 15 مليار دولار.
والحقيقة أن عددا قليلا جدا من الدبلوماسيين الغربيين يمكنه رسم صورة حقيقية للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في شرق آسيا. ومن بين هؤلاء بالتأكيد كريستوفر باتن الذي ظل خمس سنوات حاكما لهونج كونج.
وقد حاول الكتاب جاهدا رسم صورة أقرب إلى الواقع لشرق آسيا بمختلف تنوعاته وبما يؤكد المصالح المشتركة بين قوى الشرق والغرب.
وكانت النتيجة أن الكاتب أفلت من أسر الحكمة التقليدية بشأن الصين والقوة ومستقبل آسيا.
وفي هذا الكتاب نرى كيف حاول باتن إقامة مؤسسات ديموقراطية حقيقية في هونج كونج يمكنها أن تستمر في إطار صيغة (دولة واحدة ونظامين) التي اتفقت عليها بريطانيا والصين كشرط لاعادة المستعمرة البريطانية إلى الوطن الأم.
هذه الصيغة تعني استمرار نظام الحكم الغربي الليبرالي واقتصاد السوق في هونج كونج مع خضوعها للسيادة الصينية.وقد اصطدمت محاولات باتن بالصينيين وجماعات المصالح الاقتصادية والسياسية الغربية التي لم تكن راضية عن استراتيجية الحاكم البريطاني للمستعمرة. ويفند الدبلوماسي البريطاني المقولة التي تتحدث عن أن ما ينجح في الغرب لا ينجح في الشرق وقال إن مثل هذا الكلام لا يستند إلى أي حقائق على أرض الواقع.
وفي أحد فصول الكتاب تناول الكاتب ما تسمى (بالمعجزة الاقتصادية) الآسيوية وقال إن الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت عامي 1997 و1998 وأدت إلى انهيار اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا قد أخرست الألسنة التي تحدثت عن هذه المعجزة التي حققتها النمور الآسيوية. وفي هذا الفصل قال باتن إن (انهيار فكرة المعجزة الاقتصادية الآسيوية لم ينجح في إسكات أصحاب نظرية الاستثناء الثقافي للقيم الآسيوية التي تستخدم كمبرر لاستمرار الحكومات المتسلطة في هذه الدول).ويؤكد الكتاب النظرية الغربية التي تربط بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية حيث يقول إن كلاً من حرية السوق وحرية السياسات تحميان بعضهما البعض. وسواء كنا في الشرق أو في الغرب فإن الحرية السياسية والحرية الاقتصادية تسيران جنبا إلى جنب.يقول باتن (أعتقد أنه لا يمكن الفصل بين الاثنتين في أي عملية تطور.. وعلينا أن نعمل على ألا يكون القرن الحادي والعشرين هو قرن الشرق ولا الغرب ولا الصين ولا أمريكا ولكن يكون قرن القيم الإنسانية المشتركة التي من خلالها يمكن أن نضمن مستوى جيدا لحياة البشر في كل مكان) والمشكلة الحقيقية التي عانى منها هذا الكتاب على حد قول أحد النقاد هي أنه جاء أكبر من الفكرة التي أراد مؤلفه نقلها.
فقد اضطر كريس باتن إلى الحديث عن مذكراته كحاكم لمستعمرة هونج كونج ومنها تحدث عن الصين كقوة كبيرة تتجه بسرعة نحو موقع القوة العظمى ثم بدأ يتحدث عن القيم الإنسانية مثل الحرية والديموقراطية.
|