Saturday 18th September,200411678العددالسبت 4 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

وأخيراً.. الجمعيات العلمية تحت سيطرة هيئة التخصصات الصحية هيمنة واحتكاراً.. تفرض رؤية عكسية لاتجاهات مؤسسات المجتمع المدني وأخيراً.. الجمعيات العلمية تحت سيطرة هيئة التخصصات الصحية هيمنة واحتكاراً.. تفرض رؤية عكسية لاتجاهات مؤسسات المجتمع المدني
د. علي شويل القرني

قبل حوالي ثمانية أشهر نظمت الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أول لقاء للجمعيات العلمية والمهنية في المملكة العربية السعودية ، تحت رعاية معالي وزير التعليم العالي وذلك في رحاب جامعة الملك سعود ، والتقى في هذا الاجتماع ممثلو أكثر من خمس وستين جمعية علمية ومهنية في مختلف الجامعات السعودية ومختلف مناطق المملكة.. وقد كان أحد المحاور الرئيسة التي تحدث فيه الجميع ، هو الدور المتنامي لهذه الجمعيات كمؤسسات مجتمع مدني ، والحاجة إلى تفعيل دورها بشكل أقوى واعطائها روح الاستقلالية بما يتواكب مع مفهوم المؤسسات المدنية في المجتمعات المتقدمة.
وقد شكت بعض الجمعيات العلمية من هيمنة الجامعات وسلبها لاستقلال هذه الجمعيات عبر الدورة البيروقراطية التي تدور في فلكها أعمال ونشاطات الجمعيات العلمية في الجامعات السعودية ، ولهذا رأى البعض أن وجود مجلس تنسيقي مختص بأمور هذه الجمعيات سيساعد - ربما - على تسهيل أداء الجمعيات ومزاولة نشاطاتها العديدة ، وقد عارض البعض أن تكون الجمعيات مرتبطة مباشرة بوزارة التعليم العالي ، لكون وزارة التعليم العالي جهة حكومية ، ولا ينبغي أن ترتبط مؤسسات المجتمع المدني بأجهزة حكومية تديرها بشكل أو بآخر ، هذا على مستوى المفهوم النظري لارتباطات المؤسسات المدنية ، وعلى الرغم من أننا نعرف أنه على مستوى الواقع ، فإن وزارة التعليم العالي قد ضربت مثالاً حيا - بين مختلف الجهات الحكومية - على سرعة إنجاز المعاملات التي تأتي إليها أو من خلالها.. ونحن نعلم علم اليقين أن المعاملة التي تتنقل من مبنى إلى مبنى ومن طابق إلى طابق ومن إدارة إلى إدارة ومن شخص إلى شخص داخل الجامعة, وتستغرق هذه الإجراءات عدة أشهر.. ولكن حالما تصل هذه الموضوعات إلى وزارة التعليم العالي لا تستغرق هذا المعاملة سوى أيام معدودة ، وأحياناً يومين فقط ، وأحياناً يوما واحدا. فقد عملت الوزارة على استحداث نظام إجرائي دقيق في إنهاء الأعمال والموضوعات التي تأتي إلى الوزارة وتتخذ فيها قراراً ، أو تأتي إلى الوزارة وتمر من خلالها إلى جهات أخرى.. وعلى الرغم من هذه الإيجابيات الكبيرة ، إلا أن الكثير من أعضاء الجمعيات العلمية والمهنية ارتأوا ألا تكون الجمعيات مرتبطة إداريا بوزارة التعليم العالي ، حيث إن هذا يخرق مفهوم مؤسسات المجتمع المدني.. ولكن تظل التوصية أن تعطى الجمعيات استقلالية أكبر مما هي عليه الآن ، مع اقتراح وجود مجلس تنسيقي بين كافة الجمعيات العلمية والمهنية ، لتنسيق أعمالها وتنسيق الدعم ، ومتابعة برامجها وفعالياتها.. وقد قرأنا في الأسبوع الماضي خبراً عن أحد اجتماعات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ، من خلال تصريح لأمينها العام الدكتور حسين الفريحي ، وقد أشار إلى أن الهيئة قد أقرت القواعد المنظمة للجمعيات العلمية الصحية ، وسيكون من اختصاص الهيئة الموافقة على إنشاء الجمعيات ، وبطبيعة الحال الإشراف عليها.. وإذا ربطنا بين الدور الذي تقوم به الهيئة وتداخلاتها الكبيرة في الشؤون الصحية ، نجد أن فكرة الاستقلال المطلوب والتي ينادي بها أعضاء الجمعيات العلمية بما فيها الجمعيات الصحية ، قد تلاشت وضعفت كثيراً مع بزوغ فكرة ارتباط الجمعيات بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية.. وربما تحتاج هذه النقطة إلى توضيح بسيط.. تحاول الهيئة السعودية للتخصصات الصحية منذ إنشائها ربط كافة الخيوط ووضعها في يد واحدة ، في فكرة سيطرة وهيمنة واسعة النطاق على كل ما هو صحي وطبي في المجتمع.. والهيئة تقوم حالياً بأدوار جهات متعددة في المجتمعات المتقدمة ، يفترض أن تكون هذه الجهات مستقلة عن بعضها البعض ، لتحقيق مبدأ المحاسبة والمراقبة.. ولكن المؤكد أن الهيئة تريد ، بل هي متجهة إلى إحكام قبضتها على كافة المدخلات والمخرجات الصحية في المجتمع والدولة ، بدءاً بنظام الوصاية على خريجي الكليات الطبية والصحية في المملكة ، بعدم الاعتراف النهائي بشهادات هذه المؤسسات العلمية الكبرى في المملكة ، وضرورة أن يتعرض الخريج إلى اختبار جديد بعد تخرجه.. وهذا يسلب استقلالية ويطعن في علمية ومنهجية هذه الكليات.. ثم مروراً بضرورة التسجيل الصحي ، حيث من المطلوب إلزاما بقوة النظام في الهيئة تسجيل كل من ينتسب إلى مهن صحية وطبية في هذه الهيئة ، ومروراً كذلك بتدخل مباشر في الجمعيات العلمية ، وهي آخر حلقة من حلقات الإطباق الكامل والهيمنة والسيطرة للهيئة في الشؤون الصحية في المجتمع ، فلا يمكن أن يخرج أحد من مظلة الهيئة ، وهيمنتها عليه بدءاً من تخرجه ، مروراً بممارسته ، وانتهاء - وليس آخر - بفكره العلمي التخصصي..
ومن المعروف في المجتمعات المتقدمة أن كل هذه الجهات تأخذ صفة الاستقلالية عن بعضها البعض ، فالكليات الطبية والصحية مستقلة تماماً وتعطي شهادات معترفاً بها ، ولا يخضع خريجوها لاختبارات بعد تخرجهم للتأهيل الطبي أو الصحي.. كما أنه توجد مجالس طبية مستقلة تمنح أعضاءها التسجيل فيها.. وتوجد كذلك الجمعيات العلمية المستقلة التي تعنى بتطوير التخصص ، وتداول الرأي الطبي - الصحي بين أعضائها ، وإسداء النصائح لهم فيما يخص أعمالهم وأبحاثهم.. إلخ ، وكذلك توجد مجالس دفاع عن العاملين في القطاعات الطبية والصحية تدافع عنهم وعن شؤونهم التخصصية.. والآن وجدنا الهيئة تدخل في شؤون الجمعيات العلمية الصحية ، وستفرض عليها هيمنة إدارية بيروقراطية ، بحكم تحكمها ربما في الإيرادات والمصروفات ، وفي الإشراف العام على هذه الجمعيات.. وهذا في نظري يتجاوز المفهوم الأساسي لمؤسسات المجتمع المدني الذي تدفع به الدولة وتشجع عليه بشكل متنام في السنوات الأخيرة.. وختاماً ، لو أن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية كانت معنية بإحدى هذه الوظائف أو اثنتين منها ، لما رأينا في ذلك أدنى مشكلة ، لكن عندما تطبق على كل شيء في المدخلات والمخرجات ، ولا تصبح هناك جهة أخرى ذات استقلال صحي سوى هذه الإدارة ، فسيكون هذا شكلاً من أشكال الاحتكار والسيطرة الكاملة على مجريات الشأن الصحي في البلاد.. ونظل نريد أن نسمع من أعضاء الجمعيات العلمية عن رؤيتهم في هذا الخصوص.. وربما عامة من منسوبي القطاعات الطبية والصحية..

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved