صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بإلحاق كليات المعلمين والمعلمات وكليات التربية، والآداب وغيرها، والتي كانت تتبع وزارة التربية والتعليم بوزارة التعليم العالي يوسع مظلة الإشراف لهذه الوزارة مما يستدعي طرح مجموعة من التساؤلات خاصة وأن عدد الكليات كبير إذ يفوق المائة والعشرين كلية بالإضافة إلى الجامعات التي تخضع لإشراف وزارة التعليم العالي.
إن مسؤولية الإشراف على هذا العدد الكبير من الكليات والجامعات بما فيها من طلاب وأعضاء هيئة تدريس وإداريين وفنيين ليس بالأمر اليسير إلا أن المهمة في بساطتها وصعوبتها تعتمد على الدور أو الأدوار التي تمارسها أو ترغب فيها وزارة التعليم العالي، فهل وزارة التعليم العالي ترغب في ممارسة دور مركزي وفي كل صغيرة وكبيرة بحيث لا يتم أمر في الجامعات والكليات إلا تحت إشرافها وعلمها أم أن دورها سيكون تخطيطاً وتنسيقاً ولا أكثر من ذلك. إن انضمام هذه التركة الكبيرة تحت لواء الوزارة يترتب عليه في المقام الأول تسيير الأمور وبالصورة التي تجعل من هذه الكليات تؤدي عملها بنفس المستوى الذي كانت عليه في السابق إن لم يكن أفضل وهذا هو المأمول ضماناً لعدم الارتباك والاضطراب الذي قد تحدثه بعض القرارات المستعجلة وغير المدروسة وإن لم تكن مثل هذه القرارات متوقعة. إن تسيير الأمور بالصورة المألوفة سابقاً قد لا يكون الهدف المرتجى في المستقبل لكنه في الوقت الراهن يضمن مكاناً يلتحق فيه عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات لإكمال دراستهم الجامعية بدلاً من إحداث تغييرات قد تفقدهم هذه الفرصة. إن الوزارة وقبل أن تحدث أي تغييرات بحاجة لدراسة متأنية وواعية لما هو قائم من مؤسسات بحيث تكشف هذه الدراسة الإمكانيات المتوفرة المادية والبشرية، المادية من مبان ومختبرات ومعامل ومكتبات وتقنيات وغيرها والبشرية من حيث أعضاء هيئة التدريس والجهاز الإداري والفني العامل في هذه الكليات، كما أن الدراسة يفترض أن تعنى عناية كبيرة في البرامج والتخصصات القائمة وعلاقة ذلك بالتخصصات الموجودة في الجامعات. الدراسة المفترضة يجب أن تكشف الإمكانيات المتوفرة سواء كانت هذه الإمكانيات على المستوى المطلوب ووفق ما تقتضيه الظروف ويتطلبه العصر ويحتاجه سوق العمل أو أقل من ذلك، إذ يكفي الوقوف على الحقيقة من أجل الانطلاق للمستقبل.
إن مهمة الوزارة مستقبلاً يجب أن تكون التخطيط بناء على ما تكشفه الدراسة ويقتضيه الواقع المعاش. المؤمل من الوزارة وبعد أن التأم شمل مؤسسات التعليم العالي أن تسعى للتوسع في خدمات التعليم العالي وبما يتناسب واحتياجات سوق العمل والنمو السكاني والذي تعكسه أعداد المتخرجين والمتخرجات من الثانوية العامة في كل عام، وبما يتناسب مع احتياجات وظروف المناطق المختلفة هذه الأعداد المتزايدة من الخريجين تحتاج لتصور واضح وخطط دقيقة تمكن من الاستغلال الأمثل لكافة الإمكانيات المادية والبشرية وإحداث شيء من التكامل بين هذه الإمكانيات كي تتحقق الفائدة القصوى، ويكفي الإشارة إلى أن الوكيل لشؤون كليات البنات أشار في تصريح له لإحدى الصحف أن لدى الكليات ألف وخمسمائة وظيفة عضو هيئة تدريس بحاجة لشغلها بالكفاءات الوطنية أو غيرها في حال تعذر وجود من يشغلها من السعوديين. إن مثل هذه المعلومة وغيرها من التفاصيل الأخرى تشكل أسس الرؤية الشمولية لأفق التعليم العالي الواجب أخذها في الحسبان.
إن رسم خطة شاملة للتعليم العالي لا تنفك عن البرامج والتخصصات القائمة سواء في برامج البكالوريوس أو الدراسات العليا وسواء في الجامعات أو في الكليات التي تم إلحاقها بالوزارة مؤخراً، إن معرفة هذه البرامج من حيث تشابهها وكثافة الطلاب الملتحقين بها والإمكانيات المتوفرة لها والحاجة لهذه البرامج لا من حيث توفر التخصصات المتنوعة فقط ولكن من حيث تحقيق احتياجات سوق العمل تعتبر هذه المعرفة مرحلة مهمة ومدخلاً طبيعياً لتحديثها أو دمج بعضها أو إعادة هيكلتها أو إعادة تأهيلها لتخدم المجتمع بصورة أفضل. إن فرصة التكامل بين الأقسام والبرامج القائمة في الجامعات والكليات أصبحت الآن أفضل من السابق فوجود هذه المؤسسات تحت مظلة واحدة يفترض أن يحقق المرونة للاستفادة القصوى من الإمكانيات المتوفرة بدلاً من تشتت الجهود وتعطيل الإمكانيات أو الاستفادة بصورة لا ترتقي إلى مستوى الحاجة الماسة لها.
ومع إدراكي أن شكلاً من التعاون بين المؤسسات كان قائماً في مجال تدريس بعض المواد أو الإشراف ومناقشة الرسائل إلا أن مستوى التعاون لم يكن بالصورة التي تتيح الاستفادة من الإمكانيات بأفضل صورة وأعلى مستوى، إذ لا معنى أن يوجد متخصص في إحدى التخصصات النادرة ولديه سعة من الوقت للتدريس أو الإشراف في مؤسسة غير المؤسسة التي يعمل فيها، ولا يستفاد منه وتحرم المؤسسات الأخرى من علمه وخبراته بسبب عوائق وإجراءات بيروقراطية.
توفر خدمة التعليم العالي لأبناء الوطن أمر لا يختلف على أهميته اثنان إلا أن الاختلاف قد ينصب على التخصص والمكان إذ لا معنى أن تتركز مؤسسات التعيلم العالي في المدن الكبيرة وتحرم المدن الصغرى فهذا الوضع يحدث إشكاليات اجتماعية واقتصادية ونفسية وتربوية، إذ إن نزوح الكثير من الشباب عن أهلهم وذويهم إلى المدن الأكبر يترتب عليه إرهاق اقتصادي للأسر وزحام في المدن وربما تعثر دراسي بسبب البعد عن الأهل والأصدقاء والأقارب، كما أن توسع التعليم العالي ليشمل المناطق الأخرى فيه إنعاش اقتصادي وثقافي لها بالإضافة إلى تنميتها في حال افتتاح تخصصات تناسب طبيعة هذه المناطق واحتياجاتها التنموية.
من الأولويات ذات الأهمية الشديدة لوزارة التعليم العالي مساعدة الجامعات في توفير وظائف معيدين ومعيدات في الأقسام لضمان استمرار الأقسام في عطائها العلمي وخدمتها للمجتمع حتى لا تضطر الأقسام للتعاقد بصورته السابقة والتي كانت تعتمد فيها الجامعات على الكفاءات غير الوطنية ويمكن الاستفادة من تجارب كثير من الدول في هذا المجال إذ إن جامعات مصر العربية تعين الثلاثة الأوائل في كل عام وفي أي قسم من الأقسام معيدين مما أوجد تدفقاً منتظماً للكفاءات في كافة التخصصات يخدم الجامعات المصرية وغيرها من الجامعات الأخرى خارج مصر.
إن شح وظائف الإعادة ترتب عليه معاناة بعض أقسام الجامعات حتى أن بعضها لا يوجد لها أي مبتعث وأساتذتها تقاعد بعضهم، وبعضهم الآخر على وشك التقاعد فهل نقف ونتفرج وأقسام جامعاتنا تدخل مرحلة الشيخوخة وتتهاوى أم أننا نسارع ونعمل على تسديد النقص الوظيفي في هذه الأقسام بتعاون بين الجامعات ووزارة التعليم العالي والجهات ذات العلاقة كوزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية.
أولويات وزارة التعليم العالي بعد إعادة تنظيم التعليم العالي لا تنتهي عند ما ذكر بل تمتد لتشمل البحث العلمي من أجل تنشيطه وتمويله ووضع خطة شاملة لتفعيله ليكون جزءاً من تنمية المجتمع في كافة المجالات وليكون معيناً على تجاوز الكثير من المشكلات التي تواجه المجتمع بالإضافة إلى اعتماد نتائج البحوث والاستفادة منها لاتخاذ القرارات على كافة الأصعدة.
إن البحوث والدراسات التي من الممكن أن تركز عليها وزارة التعليم العالي هي ذلك النوع من الدراسات التقويمية لواقع آفاق التعليم العالي فهذا النوع من الدراسات يجعل التعليم العالي في نمو وتطور مستمر لأنها تفيد في استشراف المستقبل وتكشف الإيجابيات والسلبيات وعلى ضوء ذلك تكون القرارات. وللوزارة جهود في مثل هذا النوع من الدراسات كدراسة أنماط التعليم العالي في دول مجلس التعاون ودراسة التعليم عن بعد ودراسة التعليم العالي الأهلي. إن تحقيق جودة التعليم العالي مهمة أساسية من مهمات الوزارة تتطلب استحداث الأجهزة والآليات التي تمكن من تحقيق الجودة كما هو الحال في هيئة الاعتماد الأكاديمي السعودية ومراكز البحوث التي تحتاج الدعم والمساندة.
ولكي تنجح وزارة التعليم العالي في العمل على هذه الأولويات لابد لها من التخلي عن فكرة التدخل في الجزئيات والإجراءات التي تضيع الوقت والجهد، ولا تخدم العملية العلمية بل تعيقها وتؤثر عليها سلبياً.
|