في ديننا الإسلامي الحنيف سماحة ويسر لا ينكرهما إلا جاهل به، أو حاقد عليه، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من السماحة واليسر والرفق بالناس وحسن الخلق والبشاشة ما لا نظير له في حياة البشرية ولذلك حق لنا أن نصفه بأنه (الرحمة المهداة) انطلاقاً من وصف الله سبحانه وتعالى له بالرحمة والرفق واللين.
إن عنوان (سماحة ويسر) بارز في سيرة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وفي تعاليم الدين الذي جاء به.
هذا رجل متجه إلى الحج يراه الرسول صلى الله عليه وسلم ماشياً على قدميه يسوق أمامه بدنة قد قلدها هدياً لحجه فيقول له عليه الصلاة والسلام إشفاقاً عليه: اركبها، فيقول الرجل: إنها بَدَنة، فيقول له مرة ثانية: اركبها فيقول الرجل: إنها بدنة، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: اركبها وَيْلَك.
وفي هذا الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه دلائل على أمور مهمة، منها: اجتهاد الرجل الذي دعاه إلى اعتقاد أن ركوب البَدَنة المقلَّدة للهدي لا يجوز، وهو اجتهاد خاطئ ولكن الرجل كان مقتنعاً به لا يرى غيره، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشرية كرر عليه الأمر بالركوب ثلاث مرات والرجل يعترض حتى استجاب في الثالثة، وهذه مسألة خطيرة نرى شواهدها مستمرة الى زماننا هذا، إلى ما يشاء الله, فالاعتقاد الخاطئ مشكلة كبرى تسوق أصحابها إلى التعصب والتصلب, وإلى النظرة الضيقة التي لا يرون بها الا جانباً ضيقاً من الأمور، فهذا الرجل يعلم أن الذي يأمره بالركوب هو محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، الذي علمه وعلم غيره الدين، وارشده وارشد غيره إلى الهدى والحق، ودعاه ودعا غيره الى الحج، وبين له ولغيره المناسك وأركانها وواجباتها وحلالها وحرامها، نعم يعلم ذلك الرجل أن الذي يأمر له بركوب البَدَنة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله يعلم أنها بدنة لأنها مقلدة تقليد الهدي ومع ذلك يقول للرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة إنها بدنة وكأن لسان حاله يقول: لا يجوز أن اركبها لأنها بَدَنة مقلَّدة للهدي، يا سبحان الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول اركبها، فلماذا التردد؟، ولهذا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الثانية أو الثالثة حسب رواية أبي هريرة: اركبها وَيْلَك، وهنا تنازل الرجل عن اعتقاده فركبها، وما قال له: ويلك إلا لإشعاره بخطأ تردده في الاستجابة لمصلحة نفسه. ومن الأمور المهمة التي يدل عليها الحديث: أهمية رعاية ولاة الأمور للناس ومتابعتهم والإشفاق عليهم، وتوجيههم إلى الصواب، وتفقد أحوالهم، فلقد كان عدد الناس المرافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره للحج كثيراً، ومع ذلك فقد تنبه إلى هذا الرجل السائر على قدميه فوجهه. كما تنبه إلى امرأة عجوز أجهدها السير على قدميها فسأل عنها فقيل: إنها نذرت أن تحج ماشية، فأمرها بالركوب وأخبرها أن الله في غنى عن تعب عباده ومشقتهم.
وهذا كعب بن عجرة رضي الله عنه يؤذيه القمل الكثيف في شعر رأسه وهو محرم فينتبه إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فيسأله: لعلك آذاك هوام رأسك؟ فيقول كعب: نعم يارسول الله، فيقول له بشفقته ورحمته المعهودة: احلق رأسك، وصُمْ ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسُك بشاةٍ.
يالها من سماحة وياله من يسر في ديننا العظيم نحن بأمس الحاجة إلى معرفته وإدراكه وإبرازه للعالمين، وتمثله في أحاديثنا وتعاملنا مع الناس.
إشارة:
فأمَّة الخير مثل الغيث يمنحنا
ويمنح الأرض خصباً كلَّما وافى |
|