يعكس ارتفاع أسعار النفط الأخير مجموعة من العوامل التي أثرت في سوقه، وربما كان بعضها موجوداً منذ زمن لكن زاد في فاعليته وتأثيره مجموعة من الأحداث فهناك الزيادة في طلب الدول الصناعية على النفط المستورد بشكل أكبر من ذي قبل وبالتالي زيادة طلبها في الأسواق العالمية، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في رأس القائمة إذ زاد طلبها على النفط من الأسواق العالمية بين عامي 1999م و2000م بمقدار خمسة بلايين وهو ما يشكل نصف الزيادة في الطلب العالمي على النفط في نفس الفترة.
يعزز ذلك تزايد الرغبة في شراء النفط لا لتلبية الاحتياجات الحالية بل لتخزينه وخاصة من قبل الصين والهند بسبب حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المناطق المصدرة للنفط، إذ لم يعد الانتاج الضخم كافيا لكبح جماح الأسعار نظراً لأن الاشكالية ليست في عدم تمكن الانتاج من مواجهة الحاجة الحالية بل في الخوف من تعثر امدادات النفط وعدم تمكنها من الوصول الى المستهلكين.
وفي الجهة المقابلة، استنفدت الدول المنتجة للنفط كامل قدراتها الانتاجية الحالية إذ تقدر الطاقة الانتاجية غير المستغلة حاليا بواحد في المائة فقط مما يعني أن أي زيادة في الطلب ستترجم مباشرة الى زيادة في الأسعار.
هذه هي المعطيات الحالية في سوق النفط التي تبقي على الأسعار متأرجحة عند مستويات مرتفعة محققة بذلك عوائد مالية أكبر للدول المصدرة. لكن السؤال هل ستدوم هذه المعطيات لفترة طويلة؟ التوقع أنها لن تكون كذلك، فالسعي الآن حثيث لدى الطرفين لزيادة الانتاج من جهة وخفض الاستهلاك من جهة أخرى وكأن السيناريو الذي حدث في الفترة ما بين منتصف السبعينيات والثمانينيات الميلادية يكرر نفسه، وذلك حين ارتفعت أسعار النفط الى مستويات قياسية آنذاك حققت معها الدول المصدرة له فوائض عجزت اقتصاداتها عن استيعابها ثم عانت من انخفاض شديد تسبب في عجوزات في ميزانيات تلك الدول وتراكم المديونية العامة، أثرت -بجانب عوامل أخرى- على أداء هذه الحكومات وعلى مستوى الخدمات المقدمة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية الآن دعوات لخفض الاعتماد على النفط المستورد وزيادة الانتاج المحلي، إلى جانب الدعوة الى الاستخدام الكفء له وتطبيق معايير أكثر صرامة في هذا الجانب وخاصة بالنسبة للسيارات، هذا عدا عن كون الأسعار العالية قد جعلت مشاريع التنقيب عن النفط واستخراجه أكثر جدوى من ذي قبل مما فتح شهية المنتجين للتوسع في الاستثمار فيها الأمر الذي يعمل على زيادة الانتاج مستقبلاً، والذي يتوقع أن تظهر آثاره واضحة بعد العام 2006م.
لاشك أن تصور الوضع في أسواق النفط حالياً وما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً يساعد الدول المصدرة له على تكوين رؤية سليمة لبرامجها الانفاقية وخططها التنموية، كما يعينها على التعامل الكفء مع ما يمكن أن تحققه من دخول عالية خلال السنتين القادمتين أو الثلاث.
|