تألمت كثيرا عندما قال لي أحد الأصدقاء : إن جاره سيزوج ابنته على رجل كهل ينيف على الستين من عمره) ، ولم أكد أصدق الخبر في بادئ الأمر ، وما هي إلا أيام حتى تلقيت دعوة لحضور حفل الزفاف ، فأجبت الدعوة حرصا مني على معرفة مدى صحة ما سمعته من صديقي ، وبعد لحظات من بدء الحفل سألت أحد الحاضرين (أين المتزوج ؟) - لأنني لم يسبق لي أن رأيته من قبل - وكنت أتوقع أن أرى شابا في مثل عمر الفتاة المتزوجة أو يزيد عليه بسنين قليلة ، لكنني رأيت شيخا مسنا يبلغ الستين سنة من العمر أو يزيد ، ومع أن الأمر لا يعنيني البته ، لكنني بكيت شفقة وعطفا ورثاء لحالة تلك البنت المسكينة ومستقبلها ، فهي ككل فتاة طالما تمنت أن تتزوج من شاب في مثل سنها ، تتفق رغباتهما ونظرتهما للحياة لكي يشاطرها حياتها ويعيشا حيا هنيئة سعيدة ، ولكن جميع آمالها وأحلامها تحطمت وضاعت سدى.
وبعد انتهاء الحفل بدأت أبحث عن الحقيقة وعن الباعث لهذا الزواج من ذلك الشيخ المسن ، وقد علمت أنه تقدم لخطبة تلك الفتاة كثير من الشباب المثقفين ، وكان والدها لا يسألهم إلا عن مرتبهم الشهري أولا ! وكم ستدفع مهرا لابنتي ثانيا ؟ ، وبالطبع كان كل شاب يعود من حيث أتى ، لانه لا يجد استجابة من والد الفتاة ، وظل الأمر كذلك إلى أن تقدم لخطبتها ذلك التاجر الذي دفع خمسة عشر ألفا من الريالات لوالدها مهرا لابنته عدا التبعات الأخرى ليضع والدها ذلك المبلغ في جيبه ، ويوافق على عقد القران دون أدنى استشارة لابنته المعنية في الأمر ، وكأن ليس لها شأن في ذلك مطلقا ، وأخيرا تم الزواج فكانت هي الزوجة الرابعة لذلك الرجل الكهل ، وبدأت تقاسي من العذاب والأحزان الشيء الكثير ولا زالت على تلك الحالة ، فهي لا ترى زوجها إلا ساعة من كل أسبوع حيث انشغل عنها بثروته وأمواله الطائلة ، وهكذا تحطمت آمالها وضاع ذلك المستقبل المشرق الذي كانت تتطلع إليه وترسمه في مخيلتها ، ولا شك لقد كان السبب في ذلك والدها وأطماعه فقد اتخذ من ابنته سلعة يكتسب من ورائها دخله ، ليبني سعادته على أنقاض سعادة الآخرين دون مبالاة أو اهتمام ، إن هذه القصة وقعت فعلا وهي قصة مؤلمة ومؤثرة حقا ، وتبّاً لكل أب يبيع سعادة ابنته بالمال قل أو كثر وصدق القائل :
وش بالشياب اليوم وش فيه وش فيه
كل البنى صارت تزوج بشيبان
ترى السبب واضح ولا نيب مخفيه
المال خلى شيب الناس شبان |
|