Tuesday 14th September,200411674العددالثلاثاء 29 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الأزمنة الأزمنة
(الوصايا في عشق النساء) لأحمد الشهاوي ..!
عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس

في سفرتي الصيفية إلى القاهرة والتي تحدثت عن طرف منها يوم الثلاثاء 15 رجب 1425هـ .. كان أهم شيء في ذهني ، زيارة المكتبات الرئيسية التي عادة ما تكون حافلة بكل جديد مفيد .. في شتى فنون المعرفة الإنسانية .. سواء منها ما تتولى هي نشره .. أو ما تسوقه من دور نشر أخرى .. كدار الكتاب ودار المعارف ، ومكتبة مدبولي .. وغيرها.
ومن جملة ما كان في نيَّتي البحث عنه والحصول عليه كتابان .. قرأت عنهما في إحدى صحفنا المحلية قبل سفري .. هما : (الوصايا في عشق النساء)! و (تعيش اللغة العربية ويسقط سيبويه)!
وهما كتابان مثيران للجدل .. وانتهى الأمر بهما إلى منع بيعهما وتداولهما ..! وطبيعة الإنسان البحث عن كل ممنوع .. والتطلع إلى أسباب منعه .. ولهذا جاء المثل (كل ممنوع مرغوب).
دخلت عدداً كبيراً من المكتبات أبحث عن أي جديد .. ووجدت بعض ما بحثت عنه ، إلا أنني وجدت مشقة شاقة في بحثي عن هذين الكتابين ، وبعد اللُّتيَّا والتي .. وبحكم شيء من العلاقة مع (الحاج مدبولي) ، صاحب مكتبة مدبولي الشهيرة في ميدان طلعت حرب ، حصلت على كتاب (الوصايا في عشق النساء).
أما الكتاب الآخر (تعيش اللغة العربية ويسقط سيبويه) فقد بحثوا عنه خلال يومين ثم أفادوني بعدم الحصول عليه ، إلا أن الحاج مدبولي وعدني بإرسال نسخة منه .. إذا أعيدت طباعته من جديد وهو ما سيحصل .. ولو كان ممنوعاً.
***
(الوصايا في عشق النساء) لأحمد الشهاوي .. كانت قراءتي عنه خبراً صغيراً في إحدى صحفنا المحلية .. بأنه (ديوان شعر) ، يحرض النساء على العشق بمفهومه الجنسي .. وأن (الأزهر) طالب بمصادرته ومنع بيعه (لسفالته) ..!
وحين قرأت الكتاب وجدته يختلف اختلافاً كثيراً عن مفهوم الخبر الذي نشر عنه لسببين :
أولاً : أنه ليس ديواناً شعرياً حسب المفهوم العام للفن الشعري ، إنما هو خطرات صوفية .. باطنها يخالف ظاهرها .. كعادة أو طبيعة الفكر الصوفي الغالي.
ومع انه خطرات ونصائح صوفية مغلقة المعنى إلا على ذوي هذا الفكر .. الذين هم أقدر الناس على حل رموزه ، وإشاراته ، وموحياته .. فإنه في صياغته الموحية ، وأسلوبه الجميل .. يُسامتُ قيمة الشعر فنيا .. وإن اختلف عنه توجها موضوعياً!
ثانياً : أن سبب منعه .. واعتراض الأزهر عليه - في تصوري - ليس لإرهاصاته الجنسية .. كما يوحي بذلك عنوانه .. وإن كنتُ لا انفي عنه هذه الصفة بإطلاق .. في بعض المقاطع التي غابت عنها الطلسمة الصوفية إلى حد ما .. وإنما سبب منعه ومصادرته هو ما يحمله من توجه موغل في التطرف الصوفي ، الذي يستمد حياته من فكر زعيم هذا التوجه المنحرف .. محيي الدين بن عربي الأندلسي ، صاحب نظرية وحدة أو (اتحاد الوجود مع الذات الإلهية ، وقد نبعت من أفكار هندية ، ومن نظرية حلول الألوهية في بعض النفوس وبعض الأشياء ونتج من هذا نظرية وحدة الوجود .. وعلى ذلك يكون الوجود كله بما فيه من أرض وسماء ونجوم سابحة في الكون هي صور الله سبحانه وتعالى وفي ذلك يقول بن عربي :
يا خالق الكون في نفسه
أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما ينتهي كونه
فيك .. فأنت الضيق الواسع*
وصاحبنا أحمد الشهاوي في وصاياه العشقية الصوفية في كتابه هذا يسير - تقريباً - في خط مواز لما عليه شيخه محيي بن عربي ... ومشاهير الصوفية كالحلاج ، وبن سبعين ، وبن الفارض في قصيدته (التائية المشهورة) .. حيث ينتظم أسلوباً لا تثق بظواهر مفرداته وعباراته كطبيعة الصوفيين ، ويتطلب منك في كثير منه البحث عن مفاتيح فكرته ورموزها ..!
اقرءوا معي إن شئتم هذا النموذج من وصاياه في عشق النساء ، (فنصيحة أن تمرغي خدك على باب عاشقك ، والجئي إلى روحه ففيهما الرحمة والحنان والوداد ، افرشي جبينك على ترابه ، لأنكما خلقتما منه .. واليه تعودان .. عاشقين اكتملا في الحياة والموت ، اعلمي أن في موتكما حياة .. اذكريه يذكرك ، انتبهي إلى انه إذا ذهبت نعمة العشق فلن يستردها الخالق منك)! ويستطرد في هذه الوصية قائلاً : (ثمت بون بيِّن بين من اكتحلت عيناه بالعشق ، وبين من كانت عيناه عاشقتين ؟ ففي الأولى يتقلب القلب بين أصابع العاشق. وفي الثاني يثبت القلب على محبة ودين العاشق ، ولابد من أن أذكر بما قاله شيخي محيي الدين بن عربي :


أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني

فخذي كتاب عاشقك في يمينك ، أنت أم الكتاب) ، (ص 13 - 14) هذه الوصية أو النصيحة هي واحدة من عشرات ، أعوص منها بكثير ..
* (المذاهب الإسلامية) للشيخ محمد أبو زهرة - الجزء الثاني ص 644.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved