*د.عثمان جمال عثمان ( * )
هناك العديد من المفاهيم الشائعة لدى العامة في مجتمعاتنا والتي تؤثر سلبيا على صحة أطفالنا، هذه المفاهيم كثيرا ما تضرب في عمق تراثنا وثقافتنا، لذا استوجب بعض الإسهاب والتبيين المفصل لإيضاح مردوداتها.
في هذا العدد نتحدث عن حالة كثيرة الشيوع، ويحفها الكثير من الغموض، وتبعا لذلك الكثير من الممارسات غير الصحيحة حتى عند بعض الأطباء، هذه الظاهرة هي الصفار عند حديثي الولادة والتي نلاقي فيها كل الصعوبات في إقناع الآباء والأمهات بما يجب فعله أو تركه في علاجها.
سبب الصفار عند حديثي الولادة : تحوي خلايا الدم الحمراء الهيموجلوبين، وهذا هو المادة التي تحمل الأكسجين من الرئتين إلى أجزاء الجسم، وتكون تلك الخلايا في حالة تكسر وتكوين دائمين، وعند تكسرها تنتج مادة الصفراء، وتتناولها الكبد وتفرزها في عصارتها إلى الأمعاء، ومن ثم إلى خارج الجسم.
إن عملية الإفراز هذه كثيرا ما تكون غير مكتملة النضج عند حديثي الولادة، ولذا تتراكم هذه الصبغة في دم وجسم الرضيع وتعطي جلده اللون الأصفر المألوف مع مرور الأيام وانتظام الرضاعة يتم نضج هذا الجهاز الإفرازي ويزول الصفار.
حوالى 60% من الرضع يظهر عندهم الصفار في الأسبوع الأول، ويصل ذروته بين اليوم الثالث والخامس، ونسبة أعلى من الأطفال الخدج يظهر عندهم الصفار ويتأخر ظهوره ويبقى وقتا أطول.
إن الرضاعة الطبيعية تزيد من مدة الصفار في الأيام الأولى نسبة لقلة السعرات الحرارية والسوائل التي يتلقاها الطفل قبل أن ينتظم إدرار الحليب، ويجدر الإشارة هنا إلى أن السعرات الحرارية أهم من السوائل في عملية التخلص من صبغة الصفار.
كذلك تطول مدة الصفار مع الإرضاع الطبيعي وأحيانا إلى أكثر من شهرين، هذا النوع من الصفار ليس خطرا ولا يؤثر على صحة الطفل إطلاقا، ولا يحتم وقف الإرضاع أو التقليل منه، بل على العكس كلما زادت مرات الإرضاع زال الصفار بشكل أسرع.
هناك اعتقادان شائعان فيما يخص الصفار:
أولا: إن بعض الأطباء يعتقدون ويوصون بإكثار الماء أو إعطاء محلول السكر (الجلوكوز)، وهذه ممارسة غير صحيحة لأن إعطاء الماء يقلل الجوع والعطش لدى الرضيع، ومن ثم تقل رضاعته مما يؤدي إلى نقص السعرات الحرارية اللازمة في التخلص من الصفار كما أشرنا من قبل، وأيضا تقل حركة الأمعاء ويقل معها إدرار أو إفراز الصفار.
لذلك وجب بدء الارضاع - طبيعيا وهو الأفضل أو صناعيا- في أسرع وقت، ممكن وكذلك زيادة مرات الإرضاع (8 الى 10 مرات في اليوم ) وهنا نقول إنه يستحسن إرضاع الطفل على الثدي الواحد لمدة لا تزيد على 10- 15 دقيقة لتفادي نوم الطفل أو تشقق الحلمة.
الأمر الثاني يتعلق بعلاج الصفار حيث تصر معظم الأمهات أن يأخذن الطفل إلى البيت لوضعه تحت لمبة النيون أو تعريضه للشمس، نعم الصفار يعالج بالضوء لكن ليس كل ضوء يفيد، هناك لمبات خاصة تشع نوعا من الضوء بطول موجات معين (420 - 500 nm) وكثافة ضوئية معينة (20-25 nw / cm 2/nm) هذا الضوء عندما يسلط على الجلد يغير تركيبة المادة الصفراء بحيث يسهل على الجسم التخلص منها عن طريق الكليتين.
إن لمبات النيون العادية كثافتها الضوئية دون المطلوب بكثير ولا تفيد بالتالي.
والضوء الخاص هذا ليس أشعة تحت حمراء ولا فوق بنفسجية - كما يظن البعض -، إنما هو في مدى الضوء المرئي - ضوء الشمس - والذي يحتوي على هذه الأشعة أيضا، ولكنه ربما أضر بجلد الطفل وأدى إلى جفاف جسمه إن تعرض له، بشكل غير مناسب، يضاف إلى ذلك أن الضوء الخاص يستعمل بطريقة علمية ويجب توخي بعض الحقائق المهمة : إن وضعية وبعد الجهاز عن الجسم يؤثران بشكل كبير على فعالية الضوء، ويجب زيادة مساحة الجلد المعرضة للضوء بقدر الإمكان، وكذلك يجب ان يكون الطفل في دائرة الضوء على الدوام، وإن نوع الجهاز وطريقة تسليط ضوئه عاملان مهمان في مقدار جرعة الضوء التي يتلقاها جسم الطفل، ويجب أن لا يدهن جسم الطفل بالدهون والكريمات، كما أن الطفل يحتاج إلى عناية خاصة اثناء وضعه تحت الضوء، فيجب ملاحظة وتدوين السوائل التي يأخدها، ويجب إرضاعه عن طريق أنبوب المعدة إذا كانت رضاعته ضعيفة وأيضا يجب ملاحظة وتدوين عدد مرات تبول الطفل وتبرزه ومدى ارتواء جسمه وتدون العلامات الحيوية بانتظام.
عموما ليست هناك مضاعفات من هذا الضوء، لكن يمكن حدوث طفح جلدي يزول بانتهاء التعرض للضوء وربما زادت سيولة ومرات تبرز الطفل، ورغم أنه ليست هناك ثبوتات علمية بأي ضرر يلحق بالعين إلا أنه تتم تغطية العينين لتقليل مضايقة الطفل وتحسبا من أي أثر غير معروف الآن.
مما سبق يتضح أن الصفار كثير الشيوع عند حديثي الولادة وعلاجه سهل لكنه يتطلب بقاء الطفل تحت العناية الطبية ليوم أو يومين.
في الحقيقة تعرض هناك لمبات خاصة يمكن استعمالها في المنزل عند الضرورة (Biliblanket)، لكن ربما لا يتواجد هذا النوع في أسواقنا المحلية، ولضرورة مراقبة الطفل بدقة لزم بقاؤه بالمستشفى حتى ينحسر الصفار.
وأيضا يجب الإشارة الى أن نوعية وحاجة الطفل للعلاج يعتمدان على أمور كثيرة منها:
* مستوى ومعدل ارتفاع مادة الصفار في دم الطفل.
* عمر الطفل ومدى اكتمال الحمل.
* مستوى ارتواء جسمه وقدرته على المحافظة على ذلك بالرضاعة.
* السبب المؤدي للصفار .
( * ) استشاري الأطفال وحديثي الولادة /زمالة بريطانية في طب الأطفال |