أكدت حادثة إطلاق صواريخ من مروحيات أمريكية على تجمعات بشرية عراقية في أحد شوارع بغداد أمس، مرة أخرى، أن الهجمات الأمريكية لا تستهدف فقط هؤلاء الذين يطلقون النار على جنود المارينز وإنما يكفي أن تكون عراقياً لتتلقى بضع رصاصات، والأمر ليس بجديد، فقد شاهد الجميع آخر الأسبوع الماضي صور الضحايا المدنيين الذي سقطوا قتلى وجرحى في القصف الأمريكي على الفلوجة، وكانت من بين الصور البارزة واحدة لطفل في الشهر الرابع من عمره كان الأطباء يجهدون لإنقاذ حياته، غير أن العسكريين الأمريكيين يقولون: إن ذلك القصف يستهدف الذين يطلقون النار على قواتهم.
وفي شارع حيفا ببغداد أمس ثبت أن العسكرية الأمريكية تتصرف وسط بغداد وكأنها في ميدان حرب، فقد حلّقت المروحيات قريباً من منازل المدينة واستهدفت جمعاً من المدنيين العزل الذين كانوا يشاهدون دبابة أمريكية تمت إصابتها.
فهل يا ترى أن الأمريكيين شعروا باستفزاز ما من ذلك المشهد لأناس يتحلقون باهتمام، وربما بحماس حول دبابة أمريكية وهي تحترق أم أنهم استكثروا على المقاومة أن تصل إلى درجة النيل من إحدى آلياتها المتطورة بأسلحة تعتبر متخلفة مقارنة بما هو في الترسانة الأمريكية المتطورة؟؟ وماذا يدور بخلد الأمريكيين عندما تحصد آلياتهم العسكرية المتطورة نفوساً يافعة كل يوم في شوارع ومدن العراق؟؟ ألا يستطيع الأمريكيون تقدير حقيقة المشاعر نحوهم وهم الذين خاضوا حربهم تحت شعار تحرير العراق وبنائه، بينما يقبع العراق الآن أسيراً لحالة من عدم الاستقرار؟؟ إن قدراً كبيراً من ضبط النفس مطلوب من قبل العسكريين الأمريكيين وهم يخوضون حربهم التي تبدو كالمنفلتة في جميع أنحاء العراق، فمن الواضح أن نطاق الاشتباكات يتسع باستمرار، فهناك اشتباكات في كل مكان، وهناك حقد يتزايد باستمرار ورغبات في الانتقام تتصاعد، وكل ذلك يخرج القوات الأمريكية من مجرد قوات دولية تسعى للحفاظ على السلام إلى أكثر من قوة احتلال، فهي تقف تماماً في الجانب الآخر من هذه الحرب.
ومن المؤكد أن هناك حالة عداوة متنامية، ولا يبدو في الأفق ثمة محاولة جادة لوقف هذا التدهور في العلاقة بين الجانبين، بل هناك دائماً ما يشير إلى تفاقم الوضع بينما يقف العراق على بعد بضعة أشهر من الانتقال الكامل للسلطة إليه بعد الانتخابات وتشكيل الهيئات الدستورية.
ولعل ذلك يحتم ضمن أشياء عديدة تهيئة الأوضاع لهذا الانتقال إلى الأوضاع الدستورية الجديدة، غير أنه يخشى مع التدهور الأمني الحادث الآن أن يتم استغلال هذه الظروف للقول: إن الأوان لم يحن بعد للانتقال إلى المراحل التالية في التطور الدستوري.
|