Monday 13th September,200411673العددالأثنين 28 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الحبر الأخضر الحبر الأخضر
دمت عزيزاً يا وطني
د. عثمان بن صالح العامر

بعد أن قضت التكنولوجيا على كل عوامل البُعد المادي والجغرافي المحسوس والمعروف في زمن أُطلق عليه عصر العولمة.. وبعد أن ذابت الحدود الطبيعية في طيات الأثير الناقل للثقافات حتى صار العالم قرية صغيرة بل مبنى واحداً ذا أدوار متعددة.. وبعد أن أصبح الإرهاب وللأسف الشديد يُربط بثقافتنا ويُقترف على أرضنا، بل نجد بعضا من أبنائنا يعتنقه ويمارسه وأحياناً يقبله ويبرره صمتا إن لم يكن علنا.. بعد ذلك كله.. باتت المهمة الوطنية الأمنية والفكرية والتربوية أمام الساسة والعلماء والمفكرين والكُتّاب والمثقفين والمربين والمصلحين أجلّ شأناً وأكثر صعوبة؛ إذ كيف لنا جميعا ان نحقق معادلة التوازن بين خصوصيتنا الفكرية والثقافية المنبثقة عن ثوابتنا العقدية الوسطية المعتدلة من جهة، وبين التثاقف والتعايش والتحاور والتفاعل مع الثقافات الأخرى العابرة للقارات من جهة أخرى؟.. وكيف لنا أن نحمي مجتمعنا من المفاهيم الدينية المغلوطة، ونقي شبابنا ونحفظ نشئنا من الولوج إلى دائرة الغلو والتطرف؟.. وكيف نغيّر الصورة المرسومة في الأذهان عن هذا الوطن الذي عرفه التاريخ أرض محبة وموئل سلام؟.. وكيف لنا أن نقوم بدورنا التربوي -نحن أبناء هذه الأرض الطيبة المملكة العربية السعودية- في زمن المتغيرات؟ كيف..؟؟؟ والقارئ للأحداث، والمطلع على حركة التاريخ يعلم أن كثيراً من أمم الأرض مرت بمثل هذا المنعطف التاريخي الصعب.. ويعلم أيضاً أن للأمم والدول إبداعات متباينة في ابتكار آليات تتلاءم مع طبائعها المجتمعية وتحقق من خلالها التوازن المطلوب.. وتسعى عن طريقها جاهدة في بناء الصورة الذهنية الصحيحة عن الذات لدى الباحثين عن الحق الساعين للوصول إلى الحقيقة من أبناء الشعوب الأخرى.. ومن يطوف العالم شرقا وغربا، ومن يقلّب في صفحات التاريخ يجد أن هذه الآليات وإن اختلفت مسمياتها وسياسة عملها واستراتيجيات إدارتها وإمكانياتها وخططها تسعى في النهاية إلى تحقيق هذه الوظائف، وتنشد الارتقاء بمستوى التكيف الداخلي والخارجي إلى أعلى مستوى ممكن من خلال البناء الفكري للأفراد وتأثيراته المتتالية على تكوينهم النفسي والسلوكي والثقافي، ومتى كانت الدولة قوية كان مستوى التكيف مرتفعاً.. والمملكة العربية السعودية بما لديها من ركائز قوية ومنطلقات فاعلة ضربت أروع الأمثلة المعاصرة في التعامل مع هذه الأحداث المتداخلة من خلال منهج الحوار البنّاء مع جميع شرائح المجتمع وطبقاته باتجاهاتهم المختلفة ومشاربهم المتباينة، متخذة سياسة المجالس المفتوحة وسيلة للتواصل والتشاور، وانبرى لهذا الأمر أصحاب السمو الملكي ولاة الأمر حفظهم الله، وعلى وجه الخصوص صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -وفقه الله ورعاه- رجل الدولة والحدث، الذي اتخذ لمجلسه العامر شعارا خالدا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.. تقرؤها في زوايا المكان المهيب.. لقد فتح سموه الكريم قلبه لكل الناس، والتقى بالجميع مجسداً اللحمة الحقيقية بين القيادة والشعب، ومعلنا في الآفاق أن البناء والإصلاح همّ داخلي يشارك فيه كل مواطن صغيرا كان أم كبيرا، فقيرا أو غنياً.. لقد تبنى سموه الكريم نهج الإصلاح الشامل في ظل الظرف الزمني الذي تمر به البلاد حماها الله، وأسس هذا النهج على أركان أربعة هي بمثابة الأعمدة التي تقوم عليها نظرية الإصلاح السعودي في عصر العولمة، ذكر ذلك حين لقائه بالنخب المثقفة السعودية المشاركة في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري يوم السبت 11-11-1424هـ، وهذه الأركان هي بإيجاز (العقيدة القائمة على الفهم الصحيح للنص الشرعي سواء أكان قرآنا أم سنة وهي المنطلق، وهذا يعني بالضرورة الاعتزاز بالذات الثقافية والحضارية التي تمثل الإطار أو الوعاء الذي يستوعب نتاج الآخر في سياق الخطوط العريضة للاعتقاد المسلم به، كما يعني الانفتاح أو الحوار مع الثقافات المعاصرة على أرضية تنطلق من الاعتزاز بالذات وتستند إلى الموروث الفكري المبني على رؤية عقدية سلفية صحيحة.. وهذا كله يمثل في النهاية ملامح البناء الإصلاحي المنشود في هذا الظرف الزمني الصعب.. الوطن وهو إطار الحركة ومكمن البناء، والواجب غرس حبه في النفوس، وتقوية جذوة عشقه لدى النشء والشباب، وقد أكد سموه الكريم كثيراً على هذا الأمر، وفي مناسبات مختلفة استشعارا منه بأهميته.. الصبر ويستلزم ذلك التدرج في خطوات التفعيل بعيدا عما يعرف بحرق المراحل وصولاً للهدف مهما كان الثمن.. وأخيراً العمل وعدم الركون إلى القول فقط، فالأوطان لا تبنى إلا بالسواعد التي تتلذذ بالعمل من أجل الوطن وفي السعي لتحقيق المصلحة العامة).. وفي سبيل الإصلاح ومن أجل الوطن فتح سموه الكريم ملفات عدة أهمها ملف الفقر إبان قيامه بجولات ميدانية لبيوت وأحياء الفقراء.. ولكن ماذا بعد؟؟ وآخرها ملف التربية والتعليم الأسبوع الماضي حين اجتماعه بكبار المسئولين عن تربية أبنائنا وتعليمهم، لقد ذكّرهم بعظم المهمة التي أسندت لهم وجلالة العمل الذي حملوه على عواتقهم، وبيّن لهم بصراحته المعهودة أن مدارسنا لابد أن تكون خط الدفاع الأول في وجه الإرهاب والفساد، وعلى مديري التربية والتعليم في بلادنا مترامية الأطراف أن يقوموا بدورهم الميداني من أجل أن يتبصروا الامر عن كثب، وأن ينهج المعلمون النهج الوسطي في العقيدة والسلوك، وأن نرى فيهم القدوة والمثال المحتذى به في الوطنية الحقة التي ترفض كل ما هو دخيل على فهمنا الصحيح للدين، فنحن لا نريد اجتهادات ولا نرضى أن تكون قاعاتنا الدراسية لغير ما هي له.. فَلْنَعِ الرسالة أيها المديرون ولنقم أيها المعلمون بدورنا الوطني على أتم وجه.. ولتتكاتف الأيدي ولتمتد السواعد الفاعلة من أجل هذا الوطن المعطاء (المملكة العربية السعودية بلد الحرمين ومنطلق الرسالة وأرض الخير والبركة والنماء).. ودمت عزيزاً يا وطني..

NWR87@MSN.COM


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved