(1)
أزعم أن اليابانيين أقل شعوب العالم سفسطة وتنظيراً للإدارة من غيرهم.. ولذا، باتَ من المألوف أن يُوفدَ الأمريكيون وغيرهم من الشعوب.. بعوثاً منتظمة للتعرُّف على أسرار التجربة اليابانية في الإدارة عبر الممارسة.. لا الكتب!
***
أمّا نحن في هذه الرقعة من العالم.. فأرى أننا لسْنَا ملزمين ب (استيراد) الخبْرة الأمريكية ولا التجربة اليابانية، أو الحكمة الصينية بحثاً عن صيغة سويّة ندبِّر من خلالها أمُورَنا الحياتية، فنحن قادرُون على استنباط نموذج خاص بنا نستقي مُفْرداتِه من موروثنا الروحي، وتراثِنا التاريخي والثقافي، حيث يُوجد الإلهام النقِيّ.. وتتوفّر القدوةُ الحسنة، ثم لا يضيرنا بعد ذلك أن ندرسَ نماذجَ وتجاربَ الشعوب الأخرى، شرقيةً كانت أو غربية، دراسة المتأمل الواعي والناقدِ معاً.. فنقتَبسَ منها ما يوائمنا، وندع ما عدا ذلك!
***
* المهم.. أولاً وأخيراً أن نُعْمِلَ عقولَنا فيمَا نقرأ أو نسمعُ.. فلا نتقَوْقَعُ داخل زنزانة الجهل أو (الأنا) الضيّقة.. فنحرمَ أنفسَنا لذةَ الاكتشاف.. أو نَنْبهرَ بما يقوله أو يفعله الآخرون.. انْبهَاراً يسلبنا نعمةَ التمييز والاختيار، ومن ثم، نُسْلمُ إرادتَنا لتبعيَّة تضلنا.. وتضرُّنا في آن!
(2)
* المثقف هو ذاك الذي يوظف المعلومة والرؤيةَ والموقفَ معاً في قراءة هموم الإنسان المحيط به والبعيد عنه سواء، ويتفاعل معها بإصرار وإبداع.. يحوِّل تلك الهموم إلى عصَارة وجدانية تتغذى منها نفسه، ويتنفسُ بها عقلُه، ويشقى بدواعيها خاطره، يصيرها مدَاداً يروي قلمه، وهاجساً يلهمُ لسَانه، ومضموناً يثري طرحَه، ولابد بعد ذلك كله أن تتوفر لدى هذا المثقف القدرة على اقامة جِسْر الكلام، مسموعاً أو مقروءاً مع مَنْ يريد أن يشاطرَهم الهمَّ وأن يكونَ ذلك الجسر فاعلاً ومؤثراً، وإلا كان الكلام كحرث في بحر أو طنين في وادٍ!
***
* وبتعبير أدق، المثقفُ ليس دائرة معارف، له في كل حقْل غرس، وفي كل بستان ثمرة، لكنه منظومة من الأفعال والأقْوال تُعْرفُ به ويُعرَّف بها!
كيف؟
* المثقفُ هو ذلك الذي إذا قرأ فَهِم.
* وإذا حدَّث غيره، أفْهم.
* وإذا حاوَرَه غيرُه استمع.
* وإذا اختلفَ مع ذلك الغير أنْصَت، ثم مارسَ الحرية المسؤولة في الرد عليه، بلا علوٍّ ولا غُلوٍّ ولا أذى!
* وهو الذي إذا استمر اختلافُه في الرأي مع (آخر) ، لم يحمل عليه جهراً، أو يحمله وزراً، أو يضمر له شراً!
***
(3)
* الرجالُ معادنٌ.. بعضُهم كالذهب لا يبْلى.. ولا يبُور.. ولا يفْسِدُه ظرفُ مكان أو زمان!
* وبعضُهم كالنحاس.. سُرعَانَ ما (يتغيّر) .. متأثراً بما حوله.. ومَنْ حوله!
* وبعضُهم كالحديد.. يظل قوياً.. ما دام منْفَرداً، فإذا (اتحد) مع غيره من رموز العَفَن البيئيّ، غَزَتْه جرثومة الصَّدأ.. بدءاً باللون وانتهاء بالعظيم، ثم يغدو حطاماً!!
* ترى.. من أي معدنٍ أنت؟!
|