أعلام من جنوبية سدير
(1) الشيخ حسين الضبيب (ت 1110هـ)

*عبدالله بن حمد بن محمد العسكر:
تقديم:
لا شك أن تراجم الأعلام خاصة (العلماء) منهم تعتبر من الأعمال الجليلة التي تركها أصحابها لمن يأتي بعدهم وهي تدعو إلى السير على نهج السلف والاقتداء بهم وبأعمالهم الصالحة امتداداً لسير التابعين والصحابة - رضي الله عنهم - إلى سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام.ومن خلال هذه الإطلالة نستطلع ترجمة وبحثاً عن أحد الأعلام الذين كادت أن تنطمس آثارهم وأخبارهم في ظل غياب المعلومات والمصادر الكافية عنهم لولا أن هيأ الله وسهل في الوقوف على خيط يقود لما لا غنى عنه من فائدة حوله وهو الشيخ حسين الضبيب -رحمه الله- أحد أعلام بلدة جنوبية سدير الواقعة بمنطقة سدير والتي تقع شمالاً عن منطقة الرياض في وسط نجد بالجزيرة العربية وهي بلدة حافلة بالأحداث التاريخية والرجالات التي تستحق منا العناية والبحث إن شاء الله تعالى.
اسمه ونسبه
هو حسين بن علي بن إبراهيم بن علي الملقب (الضبيب) من آل شبرمة من الوهبة من بني تميم و(آل شبرمة) تفرع منها أسر كثيرة ومشهورة في نجد مثل: أسرة (أبا حسين) وأسرة (المانع) وغيرهم وقد ذكر أسرة (الضبيب) المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270- 1343هـ) - رحمه الله- في كراس له عن أنساب الأسر في نجد وذلك بعد أن عدد الأسر المتفرعة من (آل شبرمة) بقوله: (ومنهم... آل ضبيب في جنوبية سدير وهم غير آل ضبيب المعروفين في المجمعة وفي الزبير.) وجاء ذكرها أيضاً في عدة نبذ كتبها ابن عيسى في الأنساب نقلاً عن بعض العلماء وفي نفس المعنى. وكانت أسرة (الضبيب) قبل نزولها في سدير تسكن بلدة (أشيقر) في منطقة الوشم حيث مقر الوهبة من بني تميم وتدل بعض الوثائق القديمة هناك على ملك زراعي يدعى: (فيد الضبيب) نسبة إليهم.
مكان وتاريخ مولده
لا يمكن الجزم والتحديد لمكان وتاريخ مولد الشيخ حسين - رحمه الله- نظراً لعدم توفر مصدر يفيد بذلك وأيضاً لم أقف على أثر خطي له يساعد في تحديد مكان مولده على الأقل كما هو الحال مع بعض من وجد له ذلك في تملك أو نسخ لكتاب حيث رأينا من تملك كتاباً وكتب عليه اسمه وساق نسبه ومكان مولده وأصل المنطقة التي منها عشيرته وذلك في نص واحد!
وإذا عرفنا مما سبق أن أصل أسرة الضبيب من بلدة أشيقر فلا نستطيع الاعتقاد بأن مولده كان هناك لأنه لم يتبين من خلال الوثائق وغيرها من هو الذي نزح من أشيقر إلى سدير هل هو: حسين المذكور أم: أبوه أو: جده؟
وهذا وحده قد تحدده وثيقة واحدة أو ربما سطر منها لو ظهرت. أما تاريخ مولده فيبنى على الاحتمال والتوقع والمقارنة بتاريخ وفاته (110هـ) نهاية العقد الأول من القرن الثاني عشر الهجري فإن قدرنا عمره بثمانين أو تسعين عاماً يكون تاريخ مولده بحدود سنة 1030هـ أو 1020هـ ومن الأفضل اعتباره من مواليد النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري.
أخباره في المصادر
كان أول من ذكر الشيخ حسين من المؤرخين النجديين هو الشيخ أحمد بن محمد بن منقور (1067- 1125هـ) -رحمه الله- وهو من أهل حوطة سدير المجاورة للجنوبية ومن علماء نجد الكبار وقد ذكر الشيخ حسين مرة واحدة في تاريخه مؤرخاً لوفاته عام (1110هـ) بقوله: (..وفيها وجبة الجنوبية وموت حسين الضبيب)(1) وقد أرخ ذلك المؤرخ محمد بن عمر الفاخري في تاريخه نقلاً عن المنقور ولم أجده مؤرخاً في مصدر آخر ومعنى كلمة (وجبة) أي وقعة.
أعماله
لم تتوفر أية معلومات عن أعمال وأحوال الشيخ حسين في المصادر التاريخية القديمة والحديثة ولذلك ما رأينا له ترجمة في كتب التراجم التي ترجمت لعلماء نجد وعلى وجه الخصوص كتاب: علماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام -رحمه الله- وهو الذي عرف بحرصه على الترجمة لأي عالم أو طالب علم من نجد مهما بعد أو قرب زمانه وهو معذور -رحمه الله- في ذلك مع مثل الشيخ حسين الضبيب نظراً لعدم تطرق السابقين من المؤرخين النجديين بإشارة عنه عدا خبر وفاته الذي مر بنا في تاريخ ابن منقور -رحمه الله- ولم يزد على خبره بفائدة تبين ما هي أعماله التي قام بها رغم معاصرته له وليس غريباً عليه بتاريخه لاختصاره الشديد فيه بخلاف كتابه الفقهي (الفواكه العديدة) حيث توسع بمسائله وزاد.
كما أن الشيخ إبراهيم بن عيسى -رحمه الله- رغم شدة حرصه وتقصيه في تاريخ وأنساب وتراجم أهل نجد لم أجد بما اطلعت عليه من مؤلفاته ومدوناته ما يتعلق بالشيخ حسين -رحمه الله- ولعل عذره اختصار من قبله (المنقور) فيه.
وبعد سؤالي لكبار السن وأهل المعرفة بالأخبار من أهل جنوبية سدير عن الشيخ حسين أجمع كثير منهم عمن قبلهم على أن الشيخ حسين كان إماماً لجامع (قارة سدير) قبل خرابها وانتقال السكان عنها خاصة إلى (الجنوبية) مع العلم أن خراب القارة كان بعد سنة 1086هـ نتيجة للحروب والنزوحات الجماعية التي شهدتها وقد نزل الشيخ حسين في جنوبية سدير التي كانت تضم مزارع ودوراً لأهل القارة ومنهم: أسرة الضبيب حيث إنها تملك مزارع وعقارات كثيرة هناك ومن تلك الأملاك: (فيد حسين الضبيب) و(الضبيبة) وغيرها.
وبعد استقرار الشيخ حسين في جنوبية سدير تولى الإمامة بمسجدها امتداداً لإمامته السابقة في جامع القارة كما أنه كان كاتباً شرعياً لأهل البلد.
* كتاب بخط الشيخ حسين كتبه عام 1109هـ:
حين زيارتي للشيخ حمد بن ناصر الضبيب -حفظه الله- وهو من ذرية الشيخ حسين- رحمه الله- وأحد أعيان جنوبية سدير وذلك قبل سنوات مضت أطلعني على وصية لجد أبيه: عبدالله بن محمد بن حمد بن حسين بن علي بن إبراهيم بن علي الضبيب.
وقد كتب الوصية وعلق عليها الشيخ عثمان بن عبدالعزيز بن منصور -رحمه الله- (ت 1282هـ) وأشار في تعليقه إلى كتاب كتبه الشيخ حسين مؤرخ في عام 1109هـ وذلك بقوله: (هذه وصية عبدالله بن محمد بن حمد بن حسين بن علي بن إبراهيم بن علي الضبيب لقباً والوهبية نسباً والقارة بلداً ومولداً وقد ذكر حسين بن علي المذكور في النسب في كتاب كتبه سنة 1109هـ تسع سنين تزيد على المايه والألف.). وهذا التاريخ كان قبل وفاته بنحو عام.
ولم يوضح ابن منصور - رحمه الله- ما هذا الكتاب وهل هو (كتاب) بمعناه الظاهر أم إنه يقصد بذلك (وثيقة) وقد جرت العادة عند القدماء إطلاق مسمى كتاب على الوثائق المفردة خاصة (الرسائل) وإذا كان المراد بذلك كتاب بعينه فما هو عنوانه وموضوعه وهل هو موجود الآن (أرجو ذلك وأن يظهر قريباً) إن شاء الله.أما قول ابن منصور - رحمه الله- بعد سياقه لاسم ونسب عبدالله بن محمد الضبيب- صاحب الوصية-: (والقارة بلداً ومولداً) فيعني بالقارة (جنوبية سدير) حيث إنها متفرعة عن القارة ومرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً.وكان لهذه الوثيقة فضل بعد الله في معرفتي لسياق نسب وأبناء الشيخ حسين الضبيب- رحمه الله- وتُعد مرجعاً مهماً في إنشاء شجرة أسرة الضبيب.
* الأحداث الحاصلة في عصره:
كان العصر الذي عاش فيه الشيخ حسين مليئاً بالأحداث والخلافات بين أطراف متنازعة على الزعامة والرئاسة في بلدان سدير وقد جاءت في المصادر التاريخية بعضاً من تلك الحوادث وهي:
أولاً في القارة
سنة 1041هـ: مقتل آل تميّم في مسجد القارة من بلدان سدير (2). سنة 1044هـ: الحرب التي وقعت بين أهل قارة سدير وأهل بلدان سدير، قتل فيها محمد بن- أمير بلد القارة- عثمان بن عبدالرحمن الحديثي التميمي، وغيره (3).
سنة 1076هـ: هدمت شمالية القارة المعروفة في سدير (4).
سنة 1086هـ وسنة 1087هـ: حدرة مانع للحساء - المنقور- (5) وفي تاريخ الفاخري وابن بشر وردت تلك الحدرة عام 1087 قال ابن بشر: ... وجلا فيها مانع بن عثمان رئيس آل حديثة وذووه أهل القارة المعروفة في سدير، وقصد الأحساء (6).
سنة 1098هـ: وفيها عجة (ريح عاصف) جت (أتت) القارة والروضة طاح منها ألف نخلة - المنقور- (7).
ثانياً في الجنوبية
سنة 1103هـ: قال المنقور في تاريخه: (وفيها سطوا آل جماز على الجنوبية وقتلة آل ابن غنام) (8) وقد علق المؤرخ إبراهيم بن عيسى على هذا الحدث في النسخة الأصلية من (تاريخ المنقور) قائلاً: آل جماز المذكورين منهم آل جماز أهل ملهم وآل هبدان أهل الخيس وآل رشيدان أهل الجنوبية كلهم من بني العنبر بن عمرو بن تميم. ثم قال: الظاهر إن آل ابن غنام من العناقر. ثم أنه أكد ذلك في تاريخه (9).
سنة 1110هـ: وفيها حصلت الوجبة (الوقعة) على الجنوبية وفيها توفي الشيخ حسين الضبيب كما مر بنا ولم ترد في المصادر أسماء الأطراف التي حصلت بينها تلك الوقعة ومن المؤسف أن هذا الحدث لم يرد عند بقية المؤرخين النجديين عدا (الفاخري) والذي نقله عن المنقور بغموضه بقوله. وفي سنة 1110هـ وجبة الجنوبية، وموت حسين الضبيب في الجنوبية (10).
ذريته وعقبه
للشيخ حسين -رحمه الله- ذرية لازالت في جنوبية سدير حتى وقتنا الحاضر ومنهم من انتقل قديماً إلى الزبير ومنها للكويت وبعضهم سكن في دولة البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة.
ومن ذرية الشيخ حسين أعيان ومشاهير لهم أدوار في جنوبية سدير بالماضي نذكر منهم:
1) محمد بن حمد بن حسين الضبيب.
2) عبدالله بن محمد بن حمد الضبيب.
3) عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الضبيب. تولى إمارة الجنوبية لفترة قصيرة في زمن الإمام فيصل بن تركي -رحمه الله-.
4) ناصر بن عبدالعزيز بن عبدالله الضبيب: شارك في كثير من المعارك والغزوات في زمن الدولة السعودية الثانية وفترة حكم آل رشيد على نجد.
الهوامش
(1) تاريخ الشيخ أحمد بن محمد المنقور- تحقيق د. عبدالعزيز الخويطر (ط2، 1419هـ، ص57).
(2) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، إبراهيم بن صالح بن عيسى (ط2، 1419هـ، ص45).
(3) المصدر السابق (ص45).
(4) المصدر السابق (ص50).
(5) تاريخ المنقور، مصدر سابق، (ص45).
(6) سوابق عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن بشر، تحقيق الأستاذ عبدالله المنيف، (ط1، 1423هـ، ص96).
(7) تاريخ المنقور، مصدر سابق، (ص51).
(8) تاريخ المنقور، مصدر سابق، (ص54).
(9) تاريخ ابن عيسى، مصدر سابق، (ص61).
(10) تاريخ الفاخري، تحقيق: د. عبدالله الشبل، (ط2، 1419هـ، ص111).