تزوج عليها زوجها، فخرجت إلى أهلها مغاضبة، وتصالحا بعد عامين، أمسكها على قسوة وشدة منه، ليس لها حق التعبير في شأنها، ولا الرفض لأمر من أوامره!
وبعد سنين من المعاناة تزوج عليها، أصيبت على إثر ذلك بحالة نفسية وعصبية، اعتبرها المحيطون بها إصابة مس من الجن أو سحر معمول أو عين لم تذكر الله!
مضى ابنها يبحث لها عن من يفك سحرها ويعالج علتها: كان المساء يهبط على القرية التي أقبل عليها والنخيل السحيقة ترتفع هاماتها وسط بيوت وجدران طينية متهالكة، ووقف على باب المعالج يطرقه طرقات وجلى! وأقبل من وسط الدار رجل أسمر فارع الطول، استمع منه عن وصف الحالة، وطلب (غدفة المرأة) وجيء له بمطلوبه، ثم قام هذا المعالج بمرافقة الفتى إلى منزل أسرته، وقابل الأم المريضة واضعا قطعة معدنية يقلبها على ذراعها، ثم التفت المعالج إلى الغلام قائلا له: أمك مصابة بعين، وناوله قارورة ماء، بعد أن استوفى الأجرة التي طلبها!
* فصل من عمله لحماقته وتهوره، وحلَّت به نكبات أسرية، وفارق زوجته، وتحمل بسبب كل ذلك ديون ثقيلة، أثرت بالتالي على أعصابه ونفسه! فسَّر المقربون منه حالته على أنها إصابة بسبب عمل سحري أسرَّه أعداؤه..!وتطوع أحد أصدقائه بمصاحبته إلى شخص مشهور بالمعالجة، وفي حي فقير تقتسمه المقابر، وقفا على باب منزل شعبي يصوتان باسم المعالج، وأقبل الرجل، وتمتم محييا، واستمع منهما إلى تفاصيل الحالة، وسجل اسم أم المريض وبعض المعلومات الأخرى، كان قليل الكلام، ولم يعط نتيجة سريعة لكنه طلب منهما مراجعته غدا، وفي مساء ذلك اليوم كانا يدخلان عليه، التفت المعالج إلى الصديق المرافق، وقال له: إن بصاحبك سحر ولابد من صب الرصاص على رأسه لاستطلاع الحال، وأخذه إلى باحة الدار، وأمام موقد نار، جاء بقدح ماء كبير وضعه على رأس المريض وطلب منه إمساكه بيديه، ثم أشعل الموقد، ووضع عليه قدراً صغيراً، ثم وضع في القدر قطعا من الرصاص وأوقد عليها حتى ذابت كالماء، ثم تناول مغرفة حديد صغيرة، وأخذ يغرف من الرصاص المذاب ويلقيه في بطن قدح الماء المحمول على رأس المريض، فتحدث له فرقعة وطيشاً وتناثراً، بسبب تلاقي مذاب الرصاص الحار بالماء البارد!ثم أنزل القدح وأخذ يتناول بيده قطع الرصاص التي تجمعت وتماسكت وشكلت صفائح صغيرة، ثم ينظر إليها وكأنه ينظر إلى صورة معينة، ويقول للمريض، ظهر لي صورة الرجل الذي سبب الضرر لك إن صفته كذا.. وكذا.. ثم ناوله أدوية عشبية وقوارير شراب واستلم كامل أجرته..!
* يتناقل النساء اسمها ورقم هاتفها وتتطوع كل واحدة بإهدائه لكل صديقة تشتكي جور الزمان وظلم الزوج وعقوق الأولاد، فهي حل لكل الأمراض المستعصية حتى وصل إلى امرأة جاوزت الأربعين فاتها قطار الزواج، وأمسى من حولها يفسِّرون مصابها بعين أو بعمل سحر خفي! فبحثت تلك المرأة عن تلك المعالجة المتميزة فألفتها من جنسية عربية تقطن حياً شعبياً على أطراف البلدة، وأخذت تبيع حليها لتمويل علاجها، والمعالجة تقرر أن حالتها إصابة سحر أو حسد، وتصب عليها الرصاص، وتستنزف مالها على دفعات..!
* أُشِيع في الحي أنه معالج متميز يفك السحر، ويعالج العين، ويحرق المردة، ويأتي بالعجائب، وشاع في البلدة رقم هاتفه، يفسر الحالات التي تصل إليه بأنها حسد أوسحر أو مس! يعالج برش الماء والملح وبخور الحلتيت لطرد الجن والشياطين، ويقول عن الحلتيت إنه السلاح الكيماوي الذي يحرق بعض الشياطين ويطرد بعضا!
* يفتح مزرعته لعلاج المرضى، يستخدم جلد الذئب، ويقول إنه يخيف الجن ويطردهم، كما يستخدم جهازا كهربائيا يعطي ذبذبات كهربائية في جسم المريض يرى أنه طارد للجن المتلبسين بالجسم! وقد توصل إلى أن أكثر أمراض النساء سببها (تنسيم) في الرأس، فهو يتلمس هامة المريضة لمعرفة ذلك ثم يعطيها مسحوقا لتضعه عجينة على رأسها (صباخة) قبل النوم وسقاية عن السحر لتشربها!
* تزوج من امرأة أجنبية ثم فارقها، ومضى خارج الوطن راغبا الزواج مرة أخرى، وأخذته الخاطبة إلى أحد الدور لمقابلة أهل المرأة التي تقدم لخطبتها، وبعد خروجه طلب من الخاطبة أن تدله على أحد المعالجين الذين ينقضون السحر، متوهما إصابته بالسحر من امرأته السابقة وعلى ناصية الطريق أوقفته الخاطبة حيث يجلس رجل أشيب قصير القامة، أخذ يسأله عن اسم أمه وأبيه ثم أخذ يجدول ورقة بين يديه ويكتب طلاسم غير مقروءة، ويتمتم تمتمات غير مفهومة، والنتيجة يقول له إنه غير مصاب بسحر، ويقبض منه المعلوم ويفترقان بالتحايا المعهودة.
* حكايا وقصص وأخبار تطرق أذنك، تسمع تفاصيل تفاصيلها من أناس عاشروا أدق أحداثها وخاضوا تجاربها، وعادوا من كيدها ومكرها غفلا من النجاح والفلاح، وصدق الله العظيم!!: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}..
* إن عالم السحر والمس والعين، عالم غيبي لا يكاد الإنسان يميز دعوى المدعين فيه، مما جعله مدخلا واسعا لكل مدَّعٍ ومشعوذ لم يجد سببا شرعيا للرزق الحلال، ولا يبحث عنهم ويطلب دواءهم إلا كل ساذج التفكير، خفيف العقل، ضعيف الدين، بضاعته من العلم قليلة، وحظه من الإيمان زهيد، إن المدعين فيه هم من أكثر خلق الله فقراً وشقاء ومرضاً، ولو أن دعواهم صحيحة لنفعوا أنفسهم قبل نفع غيرهم، إنهم لا يزيدون المرضى إلا رهقا، يدفعونهم لمزيد من الوهم والخيال، يطردونهم عن الحق والحقيقة، ويغرسونهم في عالم الخيال!غالبية زبائنهم من النساء، يبتزون أموالهن، ويلعبون بأعصابهن، ويوردوهن موارد الهلاك، يُلبسون على العامة بقراءاتهم للقرآن وصرف الأعشاب، لكنهم يخفون بداخلهم شعوذة ودجلا وادعاءً كاذبا بمعرفتهم لأسباب الشفاء، وإذا اتضحت حقائق كذبهم في بلدة رحلوا لأخرى، وهكذا هي حياتهم رحيل في سبيل الكذب وإشقاء الناس!إنهم يعيشون في ليلين حالكين : ليل أسود.. وسحر أسود؛ فهما الأسودان..!!
|