قطع الفيافي والقفار، لم يقطعها على ظهر جمل أو حصان أو حمار، ولكنه قطعها على متن سيارات متطورة تستطيع أن تتعامل مع الرمال وكثبانها، والأودية وأوحالها، والجبال ووعورتها بهمَّةٍ واقتدار، ولكنه مع هذه الوسائل الحديثة من طائرات وسيارات قد لقي من العناء الشديد ما لقي، وواجه من مخاطر الطريق ما واجه، وعانى من حرارة الشمس أحياناً، ومن جَرَيان سيول الأودية الرملية أو الطينية أحياناً أخرى ما عانى، ومع ذلك فقد وصل إلى مواقع عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين في تشاد، ومدَّ يده بالماء والطعام والدواء إلى عشرات الآلاف من الجياع والعطشى والمرضى وواسى بلسانه العربي الفصيح الذي يرتضخ لكنة فرنسية عشرات الآلاف من البائسين والخائفين والمحزونين، ووارى مع فريقه (النصراني) مئات الجُثث التي ماتت من الجوع والعطش والمرض، نعم.. لقد وصل القسيس الفرنسي هنري كودري الذي يشغل الآن منصب محافظ الكرسي الرسولي البابوي في تشاد إلى مراكز اللاجئين السودانيين البائسين الهاربين من دارفور في وقت مبكر، ومعه من الشاحنات، والسيارات ووسائل الإنقاذ وسيارات الإسعاف المتنقلة ما جعله سعيداً كلَّ السعادة بما قدَّمه لآلاف المسلمين المشردين البائسين من العون والمساعدة، وحينما استقر به المقام بعد أسابيع أخذ يتلفَّت يميناً وشمالاً يبحث عن سيارة أو شاحنة تحمل اسم جمعية أو مؤسسة خيرية إسلامية فلم يجد، ولهذا قال بصوته الجهوري، ولغته العربية الممزوجة بلكنته الفرنسية: أين المسلمون؟ أين الجمعيات الإسلامية من هذا المكان ؟، لماذا لا ترى عيناي إلى جمعيات (مسيحية) تحمل الصليب، ولا ترى إلا آلاف المنقذين للبائسين من أتباع الديانة النصرانيَّة، قالها بوضوح، أين أنتم ايها العرب والمسلمون من انقاذ هذه الأرتال البشرية المسلمة البائسة ؟!
نحن هنا نقوم بواجبنا وليس في تشاد إلا عدد ضئيل جداً من النصارى.. فلماذا لا تقومون بواجبكم؟! قالها هنري كودري ولا يعلم أن الجمعيات الخيرية الإسلامية تعاني من السياج المضروب عليها عالمياً من أنظمة عالمية تدَّعي أن لكل جمعية خيرية إسلامية علاقة بالإرهاب, ويالها من دعوى باطلة أصابت هذه الجمعيات بما يشبه الشَّلل، حينما رأى هذا القسيس وفداً مسلماً فيه رجل سعودي بادرهم قائلاً: أين أنتم ؟ لماذا تأخرتم ؟ هذه أعمال خيرية إنسانية يجب ألا تعطَّلها السياسة، ولا تمنعها الحروب، ثم سجَّل بصوته رسالةً إلى العرب والمسلمين يذكرَّهم بواجبهم، ويؤكد لهم ومعه لقطات الكاميرا أنَّ المأساة كبيرة، وأنَّ الموتى من العطش والمرض والجوع بالآلاف.
إننا نؤمن أن العمل الخيري واجب ديني علينا وهو عمقٌ استراتيجي لنا في أنحاء العالم، وإننا لنحمد الله أن رأينا قوافلنا التي ترفرف فوقها راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هنالك في دارفور، ونرجو أن نراها ترفرف في تشاد حيث آلاف البائسين هناك.
إشارة:
أين منَّا المسلمون؟ يا سؤالاً لم أزل أدفن بالصمت جوابه.
|