* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد العجمي:
الربط الكهربائي العربي صار حديث الشارع العربي من حيث قدرته على دفع المنطقة نحو التكامل العربي الاقتصادي الذي ظل العالم العربي يحلم به لأكثر من 50 عاما متواصلة إلى جانب وفرته الاستثمارية والبالغة 12.5 مليار دولار لجميع الدول العربية.
وهناك مشروعات كثيرة حيث سيتم تنفيذ شبكتين في دول الخليج الأولى تشمل السعودية والبحرين وقطر والكويت، والثانية تضم الإمارات وسلطنة عمان و سيتم ربط الشبكتين بحلول عام 2008، كما تم إعداد دراسة جدوى مبدئية للربط بين السعودية واليمن بالإضافة إلى مشروع الربط السباعي الذي يضم سورية والعراق ولبنان ومصر وتركيا والأردن وليبيا، وقد تم تشغيل الربط بين سورية والأردن ومصر وليبيا، وخط الربط السوري اللبناني وغيرها الكثير. فماذا عن هذا الربط ؟
وكيف يسهم في التكامل العربي الاقتصادي؟ وما هو العائد الاستثماري على العالم العربي؟ وأسئلة أخرى إجابتها في هذا التحقيق
أكدت دراسة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (اوابك) أن الربط الكهربائي بين الدول العربية سيحدث منافع اقتصادية كبيرة ووفرة في توليد الطاقة الكهربائية مما يحدث توفيرا كبيرا في التكاليف الرأسمالية وتخفيض لاحتياطي التوليد اللازم في الشبكات المرتبطة حيث أوضحت الدراسة أن الوفر في الاستثمارات لجميع الدول العربية تصل إلى 12.5 مليار دولار منها 10 مليارات دولار في المشرق العربي و 2.5 مليار دولار في المغرب العربي وتقدر التكاليف بنحو 5.5 مليارات دولار، وبالتالي فهناك وفر صاف في الاستثمارات اللازمة يصل إلى حوالي 5.5 مليارات دولار منه 4 مليارات دولار بالنسبة للمشرق العربي و1.5 مليار دولار بالمغرب العربي.
أكد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية خطورة الظروف التي تمر بها المنطقة العربية في ظل احتلال إحدى دول المنطقة مؤكدا على أن هذه الظروف أدعى لدفع التعاون العربي في شتى المجالات من بينها تطوير وربط شبكات الكهرباء بين الدول العربية لدعم مشروعات التنمية العربية وتقويتها في مواجهة هذه التحديات فمتطلبات التنمية العربية على الطاقة أدى إلى زيادة الطلب على الكهرباء بنسبة 6% سنويا مقارنة ب 5% في الدورة الثامنة ل1.5% في الدول الصناعية خلال العقد الأخير، وبلغت الاستثمارات في مجال الطاقة الكهربائية 300 مليار خلال التسعينيات تضاف إليها 150 مليارا للفترة من 2000 إلى 2005 لمواجهة الطلب المتنامي على الطاقة الكهربائية وهناك سبع دول عربية ترتبط شبكاتها الكهربائية الآن هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والأردن وسوريا، ويجري العمل حاليا على ربط كل من العراق ولبنان مع هذه المجموعة كما بدأت دول مجلس التعاون الخليجي مشروعا للربط الكهربائي فيما يتم تنفيذه على مراحل ثلاث.
فشل المحاولات
يقول الدكتور سمير مصطفي مدير مركز دراسات وأبحاث البيئة بمعهد التخطيط القومي إن الربط الكهربائي العربي خطوة عملية في سبيل الدفع نحو التكامل الاقتصادي العربي والذي فشلت كل المحاولات السياسية لدفع هذا التكامل توجد في المنطقة العربية عدة مشاريع للربط الكهربائي، ومن المقرر أن ترتبط معا في مرحلة لاحقة، فهناك مشروع الربط السباعي الذي يضم سورية والعراق ولبنان ومصر وتركيا والأردن وليبيا، وقد تم تشغيل الربط بين سورية والأردن ومصر وليبيا، وخط الربط السوري اللبناني ومن المتوقع التشغيل التجريبي لخطوط الربط بين سورية وتركيا العام الجاري، وبالإضافة إلى مشروع الربط الكهربائي لدول المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب)، ومن المنتظر تشغيل خطوط الربط بين ليبيا وتونس العام الجاري لترتبط الشبكة السباعية مع شبكة المغرب العربي.
وعلى صعيد الربط الخليجي سيتم تنفيذ شبكتين الأولى تشمل السعودية والبحرين وقطر والكويت والثانية تضم الإمارات وسلطنة عمان، ثم سيتم ربط الشبكتين بحلول عام 2008، كما تم إعداد دراسة جدوى مبدئية للربط بين السعودية واليمن، ويتم حاليا تحديث الدراسة ومن المقرر الانتهاء منها بحلول عام 2005.
ويتم حالياً إعداد دراسات جدوى لمشروع الربط بين مصر والسودان، وهناك مخطط لربط دول حوض البحر المتوسط، والارتباط مع الشبكة الأوروبية وهناك أيضا مبادرة حوض النيل حول الاستغلال الكامل لموارد نهر النيل وتتضمن استخدام الطاقة الكهربائية المولدة من المصادر المائية لخدمة شعوب دول الحوض، وتشمل هذه المبادرة مجموعتين هي مجموعة دول النيل الشرقي مصر والسودان وإثيوبيا وإريتريا (كمراقب)، ودول مجموعة البحيرات الاستوائية وهي بوروندي والكونغو الديمقراطية ورواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وتنفيذ مشروع مبادرة حوض النيل يربط الدول العربية بالدول الأفريقية.
نواة للسوق
وتوضح الدكتورة فادية عبدا لسلام مديرة مركز العلاقات الاقتصادية الدولية أن الربط الكهربائي في الدول العربية بوضعه الحالي هو عملية بيع الاحتياطي من دولة لأخرى، وفكرة الربط لها شقان أحدهما تأميني لتعويض أي عطل أو خلل في شبكة دولة ما عن طريق الاحتياطي الموجود لدى دولة أخرى، أما الشق الثاني فهو اقتصادي لأن الاحتياطي لا يستخدم إلا في حالة الضرورة، ولذلك فبدلا من تركه بدون استخدام معظم فترات السنة يتم بيعه للدولة التي تحتاجه وهي عضو في الشبكة.
وقد سبق العرب في موضوع الربط الكهربائي (أوروبا وأمريكا) فقد اهتموا بالميزات النسبية لدى كل دولة، حيث إنه يمكن إنتاج الكهرباء بكلفة أقل في دولة ما نظرا لظروف معينة مثل توافر مساقط مائية كبيرة على سبيل المثال، ومن هنا يتم إنشاء محطات توليد كهرباء للشبكة وليس للدولة المتميزة فقط، ويتم توقيع عقود طويلة الأجل بين الدولة منتجة الكهرباء والدول المستوردة وبالتالي يمكن إنتاج كهرباء بتكلفة أقل للجميع، وقد وقعت أمريكا مع كندا عقودا طويلة الأجل بهذا الشأن، وتحدث أمور مشابهة في أوروبا.
وتضيف أن مشروع الربط يعتبر نواة للسوق العربية المشتركة فالعديد من الدول العربية تدرك أهمية مشروع الربط في سوق عربية مشتركة، وتنمية الشبكات الداخلية في حد ذاتها، فالربط بين مصر والأردن أدى في الوقت نفسه إلى تعزيز الشبكة المصرية في سيناء خصوصا في نويبع ودهب.
ضعف التكامل
يقول الدكتور إيهاب الدسوقي وكيل مركز البحوث بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية إن تجربة الاندماج العربي التي بدأت منذ عام 1945 مع إنشاء جامعة الدول العربية إلا أن عدم نجاح الدول العربية في تحقيق معظم الاتفاقيات وعدم تنفيذ بعضها بالكامل أو تنفيذ جزء منها فقط .
يرجع إلى أن معظم الاتفاقيات طموحة بدرجة كبيرة ومركزة على التبادل التجاري ، وعلى الرغم من هذه الجهود فقد وضح ضعف التجارة البينية بين الدول العربية إلى إجمالي التجارة العربية التي تشكل نحو 8.5% فقط فضلا عن عدم تحقيق معظم أهداف الاتفاقيات المختلفة .
كما ظهر ضعف فاعلية الدول العربية في التأثير في المجتمع الدولي سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية نتيجة ضعف القوة الاقتصادية للعالم العربي الذي يتمثل بوضوح في انخفاض الوزن النسبي للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية إلى إجمالي الناتج العالمي، وكذلك انخفاض مساهمة التجارة العربية في التجارة العالمية ، وانخفاض قدرة المنطقة العربية على جذب الاستثمارات إلى المنطقة حيث تحصل الدول العربية على 1% فقط من جملة الاستثمارات العالمية، واستمرار الاعتماد على النفط الذي يتحكم في حركة تطور العديد من الدول العربية .
ويضيف أن عدم تحقيق الاندماج العربي يرجع إلى أسباب عديدة منها كبر حجم الأهداف لمعظم الاتفاقيات بالدرجة التي يصعب إنجازها دفعة واحدة , حيث إن عمليات الاندماج تتطلب التدرج في التنفيذ .
كما أن معظم الاتفاقيات العربية ركزت على وسائل لتنمية التجارة البينية بين الدول العربية دون التطرق إلى تغيير نمط وهياكل لانتاج المتشابه في معظم الدول العربية التي تعد أحد العوائق الرئيسية لتحقيق الاندماج العربي .
ويعتقد الدكتور ايهاب الدسوقي أن عدم نجاح تجارب التكامل الاقتصادي بين الدول العربية خلال العهود الماضية يحتم مداخل أكثر واقعية , من خلال المشروعات المشتركة الذي يعد مدخلا عمليا يمهد الطريق لتحقيق التضامن العربي سواء في النواحي الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية ، كما يؤدي لزيادة القدرة التنافسية للأسواق العربية .
وتنطوي المشروعات المشتركة عن اشتراك عدد من الشركات الخاصة أو الحكومية في إقامة مشروع مشترك في دولة من الدول المشاركة في المشروع ، كما يمكن تحقيق المشروعات المشتركة من خلال الاندماج أو الاستحواذ أي الجمع بين شركتين أو أكثر في دول عربية مختلفة في شركة واحدة تحت مسمى إحدى الشركات المندمجة غالبا تكون الشركة الأكبر حجما . وقد اتسعت هذه الظاهرة في العالم لما يترتب عليها من مزايا اقتصادية .
والدعوة لتشجيع إقامة المشروعات المشتركة بين الدول العربية لاتعني التغاضي عن الهدف الأساسي لإنشاء وتشجيع المشروعات الخاصة وهو تحقيق أقصى ربح ، ولكن تعني ضرورة قيام الحكومات بتوفير البيئة المناسبة إقامة المشروعات المشتركة بين الدول العربية مثل توفير المعلومات وتسهيل الحصول على التراخيص ودعم البنية الأساسية المساندة لنشاط المشروع وتوفير أفكار مدروسة لمشروعات مشتركة , كما يمكن للحكومات أن تنفذ مشروعات مشتركة أو تقوم بعمليات دمج بين بعض المشروعات سواء لأهداف ربحية أو لأهداف اجتماعية وسياسية .
ويمكن أن تؤدي المشروعات المشتركة إلى تحقيق الاندماج العربي نتيجة الاحتمالات الكبيرة لنجاح هذه المشروعات في تحقيق أهدافها وإزالة المعوقات بين الدول العربية في مجال الاستثمار والتبادل التجاري .
ويشير الدكتور ايهاب الدسوقي إلى أن المشروعات المشتركة تؤدي إلى آثار إيجابية على الاستخدام الأمثل للموارد العربية مجتمعة نتيجة المزايا المرتبطة بهذه المشروعات مثل انخفاض المخاطر نتيجة التنوع في الأنشطة وكبر حجم رأس المال , والاعتماد على دراسات الجدوى, حيث لايمكن إقامة مشروع مشترك ضخم بدون دراسة جدوى رشيدة تؤكد نجاح المشروع .
تمتع المشروعات المشتركة بمزايا اقتصاديات الحجم الكبير، وبالتالي انخفاض تكلفة إنتاج الوحدة الإنتاجية أو الخدمية، ويقترن ذلك بتحقيق الوفورات الإدارية والفنية والمالية والتسويقية إلى جانب إمكانية التخصص وتقسيم العمل . إمكانية التوسع في الاعتماد على الميكنة والتكنولوجيا الحديثة مما يرفع من الإنتاجية، إمكانية جذب كفاءات إدارية على مستوى مرتفع من الكفاءة , والتوسع في برامج التدريب للعمالة مما ينعكس إيجابيا على نوعية الإنتاج وزيادة الإنتاجية، تسويق المنتجات بشروط أفضل نتيجة قدرة المشروع على الحصول على المدخلات من المواد الأولية بخصم وبتسهيلات في أسلوب الدفع نظرا لكبر حجم المشروع ، وآلية تنفيذ المشروعات المشتركة يمكن أن تقوم بها جامعة الدول العربية بالتنسيق مع الحكومات العربية لطرح دراسات جدوى لمشروعات يمكن تنفيذها من قبل القطاع الخاص أو الحكومات، كما يمكن جذب الاستثمار الأجنبي من خلال هذه المشروعات، ويجب أن تفرق جامعة الدول العربية بين المشروعات المشتركة التي تطرح للقطاع الخاص والمشروعات التي تطرح للحكومات بحيث يكون هدف الربحية أساسيا في المشروعات التي تطرح للقطاع الخاص، وفي المقابل يمكن طرح مشروعات مشتركة تنفذها الحكومات العربية بعضها بدافع الربحية والبعض الآخر بدافع تحقيق أهداف اجتماعية وسياسية، ويمكن أن تبدأ الحكومات في تنفيذ مشروعات مشتركة بهدف دعم البنية الأساسية بين الدول العربية مثل مشروعات الطرق والكهرباء والمواصلات لأنها أساسية في تنفيذ المشروعات المشتركة الخاصة كما تؤدي إلى توفير مزايا تشجع على التوسع في إقامة المشروعات المشتركة بين القطاع الخاص في الوطن العربي , كما يمكن التوسع في المشروعات المشتركة في النشاط المالي وذلك لسببين
أولا لأن المؤسسات المالية تلعب دورا رئيسيا في توفير التمويل اللازم للمشروعات وتساهم في تخصيص الموارد بكفاءة .
ثانيا أن معظم المؤسسات المالية في الوطن العربي تحتاج للاندماج لصغر رأسمالها وبالتالي يمكن أن تحدث عملية الاندماج بين مؤسسات مالية في عدد من الدول العربية .
وفي الحقيقة هذا المدخل لا يبدأ من فراغ، وإنما توجد مبادرات ومشروعات تحققت في هذا المجال من خلال مجلس الوحدة الاقتصادية، وكذلك وزارات البترول في بعض الدول العربية، وقد حققت نجاحا يشجع على التوسع في تنفيذ المشروعات المشتركة على نطاق واسع، كما توجد مشروعات مشتركة في مجالات المجتمع المدني والإعلام والفن حققت أيضا نجاحا، وتحتاج لتنسيق لتشجيع نموها بصورة تحقق عائدا اقتصاديا للدول العربية يساهم في دفع الاندماج العربي ودعم القوة الاقتصادية .
|