بصدور قرار سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز بتخصيص مبلغ 41 مليار ريال من الفائض العام المتوقع للعام الحالي 2004م يكون الاقتصاد السعودي دخل مرحلة نمو جديدة ستكون مؤثرة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث ركَّز على الإنفاق على القطاع الخدمي والخاص بالمواطن مباشرة، والواضح أن سمو ولي العهد قد تلمَّس حاجة المواطن لهذه الخدمات وتلمَّس أيضاً الخلل الموجود في هذه القطاعات التي هي دون المستوى وبعيدة عن تحقيق المطلوب منها سواء كعدد أو خدمة تقدمها كما هي في القروض السكنية والقطاع الصحي والتعليمي والصرف الصحي والطرق وغيرها.. الحقيقة يجب أن تكون واضحة بتصوري وقد جسَّدها سمو ولي العهد بأن هنالك خللاً كبيراً، ويجب سد الفجوة من خلال الفائض المُحقق لهذا العام وهو جزء من الفائض وليس كله، ولأن الباقي من الفائض لم تُوضح الآلية لتوزيعه سواء لمشاريع العام القادم أو الموازنة المقبلة (اعتبار الـ41 ملياراً ليست من ضمن مخصصات الميزانية القادمة بل هي خارج ذلك)، أو لسداد الديْن العام البالغ 660 بليون ريال كما صرح وزير المالية مؤخراً. المواطن يحتاج كثيراً من الخدمات، وهي الآن تُقدم بمبالغ كبيرة وستكون مؤثرة بشكل واضح وملموس، وسينعكس ذلك على النمو الاقتصادي وسوق المال السعودي، ولكن يجب ان ننظر بمنظار آخر وهو كيفية الاستفادة من الفائض المحقق أو المتوقع؟ والمؤشرات تذكر أن الفائض سيكون بما يقارب 120 إلى 130 ملياراً على الأقل، ولكن السؤال أين هي العوامل المنتجة أو الانتاجية للاقتصاد السعودي؟ أي كيف نستفيد من الفائض في اضافة إيرادات للدولة؟ لأن ما يحدث الآن هو انفاق استهلاكي خدمي غير منتج بالعُرف الاقتصادي، أي انني أستثمر أموالاً في إضافة إيرادات من خلال اقامة المصانع سواء بدعم أو غيره، وخلق فرص عمل جديدة، وهو الرهان المهم الذي لن يأتي بدون وجود تخطيط استراتيجي في اقامة مشاريع انتاجية، لأننا لا نجد إنفاقاً في هذا الباب، في حين يُضخ كل فائض في تقديم الخدمات والرواتب وسداد الديْن، إذاً أين يمكن تعزيز النمو الاقتصادي؟ لأن مايتم هو مؤقت من المشاريع فالمستشفى سينتهي بناؤه مع المدرسة والطرق السريعة، لكن إقامة صناعة تضخ للدولة عائداً مالياً وتوظف مواطناً ومواطنة سنجد ونلحظ الفرق بكل وضوح.
ما أتمنى أن تتم دراسته وملاحظته هو أن هذه الفوائض المالية قد تكون مؤقتة لاعتبار اننا نعتمد على مصدر وحيد وثابت ولأننا لسنا دولة زراعية ولا سياحية فأعتقد أننا يمكن أن نكوِّن صناعة في المجالات التي نملك بها الميزة النسبية،حيث يجب التركيز على القطاع الصناعي أكثر من غيره، وهو الأكثر جدوى على المدى الطويل، ويجب ألا نبالغ كثيراً بإنفاق 41 بليوناً باعتبارها الحل لكل شيء، لأنها حل جزئي وليس كلياً، وما زلنا ننتظر المزيد من هذا الإنفاق الذي يمس المواطن، ولكن التحدي الحقيقي هو كيفية توظيف الفوائض المالية في جلب إيرادات جديدة وليس التحدي بالإنفاق نفسه.
|