* كتب - سعود البديري:
الأستاذ زبن بن عمير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
لقد طالعت ما كتبه قلمك الرائع عن التشويه المتعمد لصورة الشعر الحقيقية في عدد من القنوات الإعلامية سواء من خلال البرامج الشعبية السائدة أو من خلال بعض الأسماء النسائية التي تفتقد للشعر الحقيقي إضافة لافتقادها لموهبة الشعر.
ولا أدري من أين سأبدأ أو إلى أين سأنتهي؟!
لكن المؤكد أنك لمست جرحاً لطالما رأيناه.. لكن الصمت حينها كان مطبقاً على شفاهنا..
وهذا الصمت لم يكن إقراراً بهذا الوضع أو اعترافاً به..
بقدر ما هو إيمان بأنها لعبة تجارية يخشى الكثيرون من التطرق لها..
ولأنها أصبحت حالياً سياسة متبعة.. ونهجاً معروفاً..
وخشينا أيضاً أن نتهم بمعارضة تلك السياسات، وهذا ما يدعونا للصمت (المؤقت)..
بالرغم من معرفتنا التامة بهذا الجرح العظيم الذي ينتشر بسرعة فائقة في جسد إعلامنا الشعبي..
لكننا نعلم اليوم بأننا لن نستطيع معالجة هذا الداء بقدر ما نستطيع أن نرفضه ونعارضه علناً ونستنكره بكل ما أوتيت أقلامنا من جوامع الكَلِم.. لعل من يعنيهم هذا الأمر ومن بيدهم عصمة الإعلام أن يفيقوا من سباتهم العميق..
لكن وضوح وجرأة وصراحة طرح الأستاذ زبن بن عمير ستكون فتحاً مبيناً للخروج من الصمت والإعلام الرفض القاطع لمثل هذه التصرفات غير المجدية لمستقبل (الإعلام الشعبي)..
إنني أؤيدك بشدة أستاذي الكريم بل وأشكرك على ذلك فلقد أعطيتنا أملاً بأننا على أعتاب (صحوة قادمة) إنني أحيي فيك هذا الاهتمام الذي ينبع من استشعارك بمسؤولية وأهمية المحافظة على هذه الهوية الثقافية التي تعتبر أدباً حقيقياً وكنزاً ثقافياً أصيلاً للمتلقي الشعبي بل وإنها لتعتبر مرجعاً ثقافياً لبعض من بحوث الأكاديميين عن هذا النوع من الشعر ودراسة إعلامه السائد.. فعن ماذا سيكتتبون عندما يتطرقون لشاعرية المرأة ودورها في الشعر الشعبي أو من برامج الشعر هل سيكلفون أنفسهم عناء البحث عن كتب الأدب الشعبي، أو في البحث في مكاتب التلفزيون، وهل سيبحثون عن شاعرية (نجوت المريه، أو مويضي البرازية) من خلالها.. بينما هناك مطبوعات وإعلام متكامل يصيح بملء فيه (نحن نعني بالأدب الشعبي، ومادتنا تلك شعبية)!!
نعم إنك بذلك لتستشعر خطراً عظيماً يحمل بين طياته تبعيات مؤلمة لوضع يهدد بضياع (الهوية الإعلامية للشعر الشعبي).
إن ما يحزُّ في النفس هو أن تعتبر أسماء ك(بشاير التيباني أو نهى نبيل) رموزاً شعرية قياساً بما تجده من اهتمام إعلامي.
سأضع فرضيات لمحاورٍ آخر يرغب بنقاشنا.
وهو أن يأتي من يقول بأن نجاح المادة الإعلامية يعتمد بالدرجة الأولى على (الصورة)!!.
نعم.. ولكن ما هي الصورة؟
هل هي الصورة الجوفاء التي لا روح فيها.. سوى ملامحها الجميلة!!
هل هي الصورة التي لا تملك ما يؤهلها للاستحواذ على ناصية الشعر والشعراء وإعلامه..؟!
كلا.. وربي.. فالصورة شكلاً لمضمون داخلي، ولكن ما الفائدة من صورة لا تحمل مضموناً لها.. ولشكلها..!!
الأستاذ زبن عمير ضرب بالفنانة الإماراتية اريام مثالاً.. لذا سأضع فرضية أخرى.. هناك من يقول بأنها خريجة إعلام وتخصصها الأكاديمي هو الذي يخول لها تقديم هذا البرنامج لكنني سأجيب بتساؤل..
(ما معنى.. أن تقدم برنامجاً شعبياً وتستضيف الشعر والشعراء)؟
ولماذا اعتبرت البرامج الشعبية فأراً لها تقوم بتجربته قبل أن تغامر في تقديم برامج سياسية أو فنية أو غيرها؟.
هل هو خوف من الفشل..؟!! ومعرفة مسبقة بجهل المتلقي الشعبي وأنه (يجوز له حيا الله برنامج)!!
لماذا لم تجرب (إيمان بنورة) أو (منتهى الرمحي) بهذه التجربة..؟!
بالرغم من أنهن يملكن من الجمال ما يجعلهن نجمات في إعلامنا الشعبي المحاصر..!!
إنني أرجو أن تتوجه (بشاير أو ضحاوي أو نهى نبيل) إلى مقارعة شعراء الفصحى والأدب العربي الجم أو كتابة عواطفهن في مطبوعات متخصصة بالأدب أو الفن أو السياسي!! لماذا يتم التركيز على إعلام الشعر الشعبي؟!
إننا نعلم أن سهولة الوصول لقنواته الإعلامية أعطاهن مؤشراً لمواصلة زحفهن بالأذواق وقناعات المتلقي..
والمشكلة الأخرى هي أن هذه الهالة الإعلامية التي يحظين بها تعني أنهن يجدن قبولاً من جمهور الشعر الشعبي وهذا ما يخالف الحقيقة.. فوجدهن أمراً قد فرض على المتلقي مسبقاً.. لأننا لا نضع اللوم عليهن بل إننا نلوم من يساهم في ضياع هوية الشعر بقصد أو بغير قصد..
قبل فترة تابعت بالصدفة أمسية خاصة لإحدى هؤلاء المستشعرات وتخيلوا بأن ما يقارب 85% من الجمهور كانوا من الرجال.. وهي تتشدق بكلمات وعبارات منمقة، وقد رأيت تصفيق هؤلاء الرجال وبرودهم الشديد وابتساماتهم الصفراء التي يعلوها الخجل بسبب إحدى الأسماء التي فرضها الإعلام المعاصر بصورة غريبة جداً.. تابعت الأمسية وأنا أفكر بالوضع المؤلم الذي وصل إليه الشعر الشعبي..
إخواني.. إنه تلاعب واضح بهوية الشعر (فلقد بلغ السيل الزبى)!!
ومطبوعاتنا الشعبية لا زالت تطالعنا بانفتاح غريب لم يكن يوماً في صالح الشعر.. لكن الواقع اليوم يقول بأنها (لعبة تجارية مدروسة) فرضتها سياسات عجزت عن وضع موازنة طبيعية بين الاهتمام بالعائد المادي وبين الاهتمام بالهدف المنشود الذي تم التأسيس على إثره.. والمسألة اليوم أصبحت انحيازاً عن الهدف والمبدأ الذي لم يستغل استغلالاً صحياً في إعلامنا الشعبي.. الذي أصبح وللأسف يهتم بالشكل والغلاف.. والصورة فقط.. ويرمي بالمضمون عرض الحائط باستثناء من رحمهم الله!!
تأمل وقف هذه السياسات البليدة التي أضرت بالشعر والشعراء، وشكلت موقفاً سلبياً لدى الشاعر من بعض هذه القنوات الإعلامية التي لا تتورع في تمجيد المستشعرين والمستشعرات بصورة فاضحة ومقززة لا يمكن السكوت عنها.
ونشكر (مدارات شعبية) ممثلة بكم على هذا النهج الصادق والنقي.. وأشكرك على هذا الطرح الجريء فلقد كنت صادقاً بطرحك.. وكبيراً بأعيننا يا زبن...!!!
|