الغناء والطرب والرقص والدلع وضياع الوقت هو عنوان واحد للقنوات الفضائية العربية، ليس المهم أن تكون بلاد عربية كاملة محتلة، أو أن تكون تحت السيطرة غير العربية، أو تحت الحصارات الاقتصادية، المهم يا سادتي أننا استطعنا أن نغزو العالم كله بقنواتنا الفضائية العربية التي يندر جدا أن ترى فيها برنامجاً ثقافياً أو توعوياً إلا لدى بعض القنوات..- والحمد لله- أنها موجودة.
لست أنا من هؤلاء السياسيين أو الاقتصاديين أو المتابعين للحركة الفنية العربية التي يتفاخر بها القائمون على الأنشطة والمجالات الفنية في تلك الفضائيات، ولكن الذي أستطيع أن أقرأه تماماً بأن معظم هذه القنوات مفلسة حتماً. طبعاً لا أقصد الإفلاس المادي بل الإفلاس في المواد المراد بثها، فالأغاني والرقصات والأفلام والمواضيع متكررة على تلك الفضائيات، فحافية القدمين هنا، وعارية الساقين والفخذين هناك، وهي تغسل ملابسها وتغني وتقول: (ما فيش حاجة). أبعد كل هذه الحاجات حاجة؟... ربما.... ! ثم تطلب من حبيبها أن يقترب منها أكثر وأكثر ويحدق في تلك الحاجات قائلة: (حبيبي قرّب بص وبص).
لم يجد القائمون على هذه القنوات أفكاراً جديدة لملء ساعات البث اليومي فأتخمونا ببرامج تافهة جداً، برامج قصة كبيرة، وساعة بقرب الحبيب، ونجم النجوم و(سوبر ستار)، وستار أكاديمي، وواحدة تخبرنا بعلم الأبراج وتنبئك بالسعادة والشقاء والزواج وعدد الأبناء والبنات وتجلب الغائب وتفك المربوط، كل هذا (بالكمبيوتر)، وما عليك إلا أن تخبرها بيوم وساعة ميلادك !... لتأتي لك بكل هذه الأمور وصدق يا- رعاك الله-. وساحرة أخرى تطلب منك أربعة أرقام ثم تختار ورقة من ورق اللعب عليها صورة عارية تماماً اسمها (بطاقة الحب) وتخبرك تلك السيدة بأن الحبيب لا مجال آتٍ، وربما هو على الباب الآن.
قد يسأل سائل لماذا كل هذه الفلسفات ما دام الأمر لا يهمك في شيء؟ والأشياء التي لا تروق لك قد تروق لغيرك وهذا صحيح تماماً، فأمزجة الناس وأهواؤهم وأفكارهم وميولهم مختلفة ومتنوعة، وهذا هو جزء من الواقع المريرالذي نعيشه نحن العرب ما دام كل منا يغني على ليلاه في هذا الوطن العربي الكبير.
الحقيقة أن هذا كله لم يكن سبباً لصداع رأسي، ولكن ما دفعني أن أكتب اليوم في هذا المجال هو ما شاهدته منذ عدة أيام في إحدى تلك الفضائيات والذي أثار في نفسي الغيرة. الغيرة على من؟
الغيرة على علوم الطب. كان رجلاً مبتسماً يسمونه (الخبير). خبير بماذا؟ لست أدري.. لكنه أخبرنا بأنه خبير بطب الأعشاب والناس يتهافتون عليه من كل صوب يريدون معرفة رأي الخبير بالعلاج المناسب لأمراضهم، فلديه كريم لتكبير الأثداء وتصغير الفخذين وتكبير الخدود، وكريم لإزالة التعرق من اليدين والقدمين، وآخر يقضي نهائياً على الكلف وحب الشباب وآثاره وآخر للثعلبة واللحية غير الكاملة وعلاج متكامل للمعدة والبشرة.. ولديه مستحضر كريم العظم لهشاشة العظام الذي يشفي خلال أسبوع واحد، وعملية شفط الدهون تجرى بتطبيق مجفف الشعر على المنطقة المراد علاجها، وتتلخص علاجاته بنبتة القريص وزعتر الجبل ومطحون أصداف البحر وقشر البيض المحمص. إنها قمة التفاهات واستخفاف واضح بعقول الناس.
غيرتي أتت من هنا -أيها السادة-. كيف أسمح لهذا (الخبير) أن يتجرأ في التكلم على علوم طب الجلد وإصدار العلاجات هنا وهناك؟ وأين وكيف ومتى تمت التجارب والاختبارات على هذه الكريمات وهل تم مقارنتها بالأدوية الطبية المعروفة؟ ناهيك عن آثارها الجانبية ومضاعفاتها التي لا يعلمها إلا الله...
إنه (الخبير) مفرز من مفرزات هذه القنوات.
كان (الريموت كونترول) لا يزال بيدي، تحولت إلى محطة أخرى فوهبتني (هيفاء) وما أدراك ما هيفاء؟ وتحولت إلى قناة أخرى فكانت هناك (نجلاء). مع حصانها الجامح وبملابس الحمام العديمة الحياء، ثم أطلّت (روبي) مقتصدة الثياب وافرة الإغراء، وبعدها ظهرت البرتقالة تتراقص على أنغامها فتيات كاسيات عاريات في ساحة الهيجاء، فأدركت أنه لا بد أن أقفل جهاز الرائي ففعلت، ثم تساءلت ما تساءله شاعرنا عمر أبو ريشة- رحمه الله-: أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم؟
هل بقي لدينا منبر؟
بربكم أجيبوني....
عيادات ديرما - الرياض |