قبل أكثر من ثلث قرن وبالتحديد في يوم 7-1-1392هـ قام الدكتور عبدالعزيز مدرس رئيس جمعية الهلال الأحمر السعودي في ذلك الوقت بزيارة منطقة القصيم.. ووفقاً لخبر نشر في صحيفة الجزيرة (أيام زمان) فإن هذه الزيارة جاءت لتفقد مراكز الجمعية في كل من بريدة وعنيزة وسد احتياجاتها!!!
وقد تشرفت مؤخراً بالانضمام لعضوية لجنة أصدقاء الهلال الأحمر وهي لجنة جاء تأسيسها من أجل مساعدة الجمعية للنهوض بأعبائها والمسؤوليات الكبيرة التي تضطلع بها.. ورغم الخبرة القليلة التي اكتسبتها جراء هذا الانتساب إلا أنني تمكنت من الاطلاع على مختلف الأوضاع والإمكانات عن قرب، خصوصاً ما يتعلق بفروع الجمعية بمنطقة القصيم، ولقد تأكدت تماماً أن ثلث قرن من الزمن بكل ما فيه من خطط تنموية طموحة ووفرة بالسيولة وطفرة بالمشاريع الحضارية أساسية وثانوية.. وتوفير للإمكانات المادية والبشرية لكل مرافق الحكومة وخاصة الخدمية منها.. كل ذلك لم يضف لهذه الجمعية ما يتلاءم حتى مع الحدود الدنيا لأهميتها ودورها المهم في المجتمع وحياة الناس، ووجدت بكل أسف أن تنامي ميزانية هذه الجمعية التي تأسست قبل نصف قرن من الزمن يتسهلك جزءًا كبيرًا منه في وظائف إدارية أو مساعدات خارجية لبعض الدول في مهام إسعافية أو إغاثية لا يخفى أن مجتمعنا أحوج ما يكون إلى بعضها.. رغم أنني أتفهم وأدرك معاناة الجمعية المستمرة في عدم حصولها على الدعم المالي الكافي لمواجهة مسؤولياتها الاجتماعية والإنسانية وأدرك الصعوبات التي تواجهها الجمعية في الحصول على وظائف جديدة من أجل دعم كادرها الفني، خاصة في فروعها بالمدن والمحافظات، وأعرف بأن وزارة المالية لم تستشعر أهمية الخدمات التي تقدمها الجمعية للمواطن والمقيم ولا الالتزامات الوطنية والإنسانية التي تجعلها تتواجد في أماكن كثيرة من العالم لدعم الجهود الإغاثية والإسعافية مؤكدة دور هذا الوطن وقيادته الحكيمة في مساعدة الأشقاء والأصدقاء في كل الأمور التي يحتاجونها..سوف أخبركم عن وضع ربما لمسه الكثيرون منكم.. لأننا ونحن في عز الصحة واكتمال العافية لا نعطي لمثل هذه الأمور الأهمية الكافية ولا ندرك خطورتها إلا عندما تقع لأحد منا.. تصوروا أنه لا يوجد في مدينة بريدة وهي عاصمة القصيم سوى فرقتين فقط تؤديان مهامهما الإسعافية.. وفي عنيزة أيضاً فرقة واحدة رغم الكثافة السكانية والاتساع العمراني وعلى ضوء ذلك يمكن القياس على بقية مناطق ومدن المملكة، وبحكم الواقع يترتب على طالب الخدمة الإسعافية الانتظار حتى تنتهي مهمة الفرقة إذا كانت في مهمة إسعافية أخرى، حتى ولو كان ثمن ذلك في الغالب الموت أو الإعاقة أو إسعاف خاطئ يأتي باجتهادات فردية، كما يؤكد الأطباء حدوث ذلك بكثرة.
إنني ومن خلال مشاركاتي في عدد من الأنشطة الاجتماعية والتطوعية والإنسانية لا يمكن أن أتصور أن هناك جهازاً خدمياً بمثل أهمية الهلال الأحمر ومع ذلك لا تزال أجهزته تعاني من ضعف الإمكانات مما أدى إلى قصور الخدمات وانعكس ذلك سلباً على ملتقى الخدمة.
وإنني غير متفائل - في المدى المنظور على الأقل - بارتقاء الخدمة وتوفير الإمكانات لهذه الجمعية التي ظلت تعاني طيلة نصف قرن من الإهمال فإنني أضع أمام المسؤولين ومن يعنيهم الأمر بعض الحلول والاقتراحات التي أرى أنها ستنهض بالخدمات الإسعافية والإغاثية في هذا الوطن العزيز آمل إضافتها إلى ما يدور في أذهان المعنيين بالأمر من خطوات تطويرية لهذا الجهاز المهم:
أولاً: أن تستشعر وزارة المالية أهمية الخدمات الإسعافية والإغاثية وتسارع في دعم الجمعية بالإمكانات المالية التي تمكنها من بناء هيكلها الإسعافي عن طريق توظيف كوادر فنية مدربة من الجنسين ودعمها بالسيارات والطائرات لمواجهة الحوادث الإسعافية الكثيرة في بلد يكتظ بالسكان والطرق الطويلة والرقعة الجغرافية الواسعة وتمييزها عن غيرها من الجمعيات والمؤسسات الخدمية الأخرى.
ثانياً: أن يقتصر دور الجمعية على ممارسة واجباتها داخل الوطن في ظل الإمكانات الشحيحة فالأقربون أولى بالمعروف..
أو ينشأ للمساهمات الخارجية إدارة مختصة لا تطغى على موارد الجمعية وإمكاناتها فالأولوية للوطن واحتياجات الداخل.. والإيثار هنا لا يتفق مع قاعدة ابدأ بمن تعول..
ثالثاً: أن تقوم الجمعيات الخيرية المنتشرة داخل الوطن وهي بفضل الله تملك الإمكانات المادية والرغبة في تقديم العون والمساعدة للمحتاجين بتوفير إسعافات خيرية برسوم رمزية للقادرين على المساهمة وقد تحقق هذه الجمعيات أهدافاً أخرى نتيجة القيام بهذا الدور، يأتي في مقدمتها أن تكون مساهمات القادرين إيراداً جديداً لميزانياتها كما يؤسس ذلك أيضاً لثقافة جديدة في العمل الخيري يتماشى مع احتياجات الوطن والمواطن وتفعيل مبدأ التعاون والتكافل.
وتطوير أساليب التعاون على البر وتحري أكثر الخدمات إلحاحاً
رابعاً: أن توكل مهمة الإسعاف ونقل المصابين داخل المدن والتجمعات السكانية إلى وزارة الصحة وهي تملك الإمكانات الفنية والمادية والبشرية ويترك لجمعيات الهلال الأحمر ممارسة دورها خارج نطاق المدن وعلى الخطوط السريعة وفي ظروف الطوارئ.. والمشاركة في المناسبات وتغطية التجمعات السكانية المتفرقة.
خامساً: أن يتم تخصيص الخدمات الإسعافية ويشارك القطاع الخاص ويضطلع بإدارتها ويتم دفع تكاليف غير القادرين من الجمعيات الخيرية والإدارات الحكومية التي تتولى شؤون محدودي الإمكانات المادية.. والمعونة الحكومية لمثل هذا النشاط.هذه أفكار ورؤى أعتقد أنها ستسهم في حل مشكلة يعاني منها الجميع لكنهم بكل أسف غافلون عنها. ولم يدركوا خطورة استمرار تردي خدماتها حتى الآن. آمل دراستها وتفعيلها والعمل سريعاً على إيجاد الحلول المناسبة لها.
مساعد بن عبدالله السناني
عنيزة |