إن من يمعن النظر في النصوص التي تضمنها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة سيجدها زاخرة بالمبادئ والمثل الأخلاقية والسلوكية التي لا يوجد لها مثيل في أي دين أو تشريع آخر، لكن ما إن تعيد النظر والتمحيص في حال أمتنا الحاضر، وما تعانيه مجتمعاتنا من خلل كبير وضعف واضح جلي في تمثل هذه المبادئ والمثل واقعا حيا في تعاملاتها مع بعضها ومع الآخرين إلا ويمتلك العجب من هذا التناقض الصارخ بين الانتساب لهذا الدين، وبين أن نعيشه واقعا ملموسا في حياتنا وتعاملاتنا، قد يكون من السهل علينا الالتزام بالعبادات والشعائر الظاهرة للإسلام، ولكن الكثير منا قد يخفق في التقيد بآداب الإسلام ومبادئه المتعلقة بالمعاملات والسلوك العام عند التعامل مع الآخرين، فتصدر منه مواقف وتصرفات بعيدة عن قواعد الهدي الإسلامي، وهنا مكمن الخلل الذي ينبغي التركيز عليه ومعالجته، إن المجتمع يتكون من الأفراد الذين يعيشون فيه، وهو نواته التي تكون توجهاته السلوكية والحضارية وبهم مجتمعين وفرادى يقاس مستواه الأخلاقي والسلوكي، وأنك لا تحتاج لمعرفة هذا الخلل الى بحث علمي شامل، فيكفيك تعاملاتك اليومية التي تجبرك على التعاطي مع فئات متنوعة وشرائح مختلفة من أفراد المجتمع لتتصورها كعينات بحثية تساعدك على قياس هذه الظاهرة خاصة إذا بليت بنشاط أو عمل يتيح لك المجال لاتساع دائرة تعاملاتك اليومية، لإصدار أحكام مطلقة ومجردة من أي برهان، فهذا أدرك انه مجانب للتناول الموضوعي لأي مشكلة نود طرحها ومعالجتها، لكني سأحلل جوانب ملموسة أحسب ان الكثير قد شعر بوجودها بدرجات متفاوتة وأنها من الأهمية في حياتنا بمكان بحيث تستحق الطرح والتحليل بغية الوصول الى معالجات فعالة لها، لا أدعي اني أملك الحل السحري لمثل هكذا ظواهر، ولكن دوري يقتصر على إبرازها واقتراح حلول وتوصيات لا تعدو اجتهادات تصب في ميدان التعاون على الخير والإصلاح الذي يصبو اليه الجميع. عندما اقول: إن أمتنا تعاني ازمة سلوك فلا أظنني أعدو الحقيقة، فها هي سلوكياتنا تضج بممارسات وتعاملات تخالف أبسط المبادئ السلوكية الاسلامية، فأين الصدق والأمانة والوفاء بالوعد وإتقان العمل، والعدل في التعامل مع الآخرين، وحفظ حقوقهم ومقاماتهم، وأين حسن الخلق في سلوكنا مع بعضنا، ومع الآخرين مهما كانت توجهاتهم وعقائدهم، أين البر والإحسان وصلة الرحم، أين المحبة المتبادلة الخالصة من أي أهواء او غايات ذاتية ومطامع دنيوية، أين الكرم الفطري البعيد عن المصالح التي قد يكون كثيرا منها تبادليا غير مشروع أو على حساب مصالح الآخرين، بل أين التعاون الجمعي لكافة أبناء الوطن الواحد في سبيل رفعته وعزه دون أن يطغى على ذلك مصالح شخصية وأهواء مادية تحكمها الأنانية الفردية او الفئوية، لا أزعم أن كل هذه المبادئ والمثل أو جلها قد اختفى تماما من مجتمعاتنا، ولكن الاكيد في رأيي أنه قد ضعف، والى حد كبير التمسك بها مما ينذر بعواقب لا تحمد عقباه، وبنظرة لواقع الأمة وسماع شكوى كثير من أبنائها مما حل بهم من إخوانهم في العقيدة والدين يتبين لك حجم المأساة وبضدها تتبين الأشياء. لقد عرفنا عبر التاريخ وما هو معاش في الواقع الحاضر أن الإسلام لم ينتشر في كثير من البلاد خارج الجزيرة العربية إلا بناء على عوامل دعوية ترتكز في الأساس على التعامل الإسلامي الحقيقي الذي كان يتمثله التجار والرحالة المسلمون الذين كانوا يرتادون تلك البلاد حتى صاروا قدوات يعرف الاسلام من خلال سلوكهم وأخلاقهم بشكل أثار دهشة وإعجاب تلك الشعوب التي تتلهف بفطرتها الإنسانية للدين الحق الذي يحقق الأمن الروحي والحسي للإنسان فانقادوا طائعين راغبين للدخول في هذا الدين فرادى وجماعات حتى تحولت مجتمعات بأكملها إلى مجتمعات إسلامية، صحيح أن الاسلام يتضمن عوامل جذب ذاتية يما يتضمنه من نور إلهي وإعجاز ذاتي ينسجم مع الفطرة الإنسانية السوية إلا أن ممارسات المنتمين له لها الأثر الفعال في إعطاء الصورة الحقيقية والمشرقة له بشكل يستهوي الطامعين في الاهتداء بنوره إلى اعتناقه عن قناعة ورغبة، لكن قل لي بربك هل حال المسلمين الآن سواء في تعاملاتهم فيما بينهم أو مع الآخرين تشجع الآخرين للتفكير في دخول الإسلام أم أنها قد تصدهم عنه وتزهدهم فيه؟ سأترك الإجابة لك أخي القارئ الكريم متيحا المجال لك للتحليل الإيجابي والتفكير الموضوعي الذي يثمر تغييراً جذرياً تبدؤه بإصلاح نفسك قبل ان تلقي باللائمة على الآخرين، فكلنا مسؤول عن هذا الوضع، والاصلاح يبدأ بأن يشعر كل واحد منا بأنه معني بإصلاح ذاته والسعي لتمثل مبادئ وأخلاق الاسلام واقعا حيا في نفسه ومع كافة الناس بحيث يكون جزءا من حياته، ولن نصل إلى هذا المستوى بشكل تلقائي دون عمل منظم يحيي فينا الحس المطلوب للرغبة في إشاعة هذه المبادئ في حياتنا وفق برامج علمية مدروسة تبدأ بالمنزل والمدرسة والمسجد والعمل ثم، تعم جميع مرافق المجتمع كمنهج حياة يعد من خالفه شاذا عن هذا السلوك الجمعي الذي سيكون بإذن الله معيار ضبط اجتماعي يحيط المجتمع بسياج منيع يرسخ بين أبنائه تشرب هذه المبادئ دون تكلف أو مجاملة حتى تكون أمتنا بحق وكما أراد لها ربنا سبحانه خير أمة أخرجت للناس.
|