الكتاب : Generation Kill
المؤلف : Evan Wright
الناشر: Putnam
شهدت حرب العراق التي شنتها الولايات المتحدة العام الماضي أسلوبًا مختلفًا للغاية في إدارة الحروب بالنسبة للولايات المتحدة، فلم يعد الهدف الأساسي هو تدعيم الانتصارات التي أحرزتها الولايات المتحدة على الأرض أولاً قبل التحرك إلى نقطة تالية تبعًا للمذهب العسكري القديم، ولكن في المقابل اعتمد مخططو الحرب الأمريكيون على السرعة بهدف وضع الجيش العراقي في حالة من الإرباك، ومن ثم التقدم إلى هدفهم النهائي وهو الاستيلاء على بغداد.
وقد كان ذلك الأسلوب العسكري جديدًا أيضًا على أولئك الجنود الذين قاتلوا على الأرض، وهو نوع من الحروب عرضهم إلى تحديات جديدة.
وقد استعرض إيفان رايت تلك التحديات التي واجهت المارينز في مجلة (رولينج ستون) الأمريكية العام الماضي على مدى ثلاث حلقات حظيت بقبول كبير، ثم ما لبث أن زاد عليها ونشرها اليوم في كتابه الرائع الجديد ( جيل القتل).
وقد قضى رايت شهرًا على الحدود الأمامية مع نخبة الاستطلاع من جنود المارينز والتي تسمى (الكتيبة الانتحارية الأولى)، وهي مجموعة من الجنود الذين شقوا طريقهم في هجوم خاطف إلى الشمال انطلاقًا من الحدود الكويتية إلى داخل العراق في بداية الحرب.
وقد كان لدى الجنود في هذه الوحدة مهمة واحدة فقط: التقدم إلى الأمام وجعل أنفسهم بمثابة الطعم، من أجل اكتشاف الكمائن العراقية المفترضة، وكان يجب عليهم أن ينتظروا حتى يتم مهاجمتهم، وليس الاشتباك في المعارك كما تم تدريبهم من قبل.
ومن الأشياء التي أدت إلى تعقيد مهام المارينز هو طريقة الجيش العراقي في القتال بالملابس المدنية، إضافة إلى وجود العرب الذين أتوا من خارج العراق، وما كان يربك المارينز أيضًا هو أن الجيش العراقي كان يقاتل بلا روح في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كان يبدي مقاومة شرسة أمام المارينز، فقد كانت السمة العامة لتلك الحرب هو عدم التوقع؛ فربما تحتوي مزرعة ما على عائلة خائفة مرعوبة، وربما تحتوي أيضًا على مقاتلين عراقيين مجهزين بهواتف محمولة لاستدعاء هجمات بقذائف الهاون، والحشود التي ترحب بالقوات الأمريكية في يوم ما ربما تتحول ضدهم في اليوم التالي مباشرة.
وكما لاحظ رايت، فإن كل ذلك وضع ضغوطًا هائلة على عاتق المارينز، وربما دفع المدنيين الأبرياء في بعض الأحيان ثمن ما يمكن أن يطلق عليه مجازًا (ضبابية الحرب).
ومما زاد مشاكلهم هو فقدان ثقة بعض الجنود في بعض قاداتهم، سواء بسبب أن أحكامهم وتوجيهاتهم كانت قاصرة في بعض الأحيان، أو بسبب أن الجنود كانوا يرون قادتهم على أنهم يستغلون تلك الوحدة فقط من أجل الترقي في مناصبهم العسكرية.
ومن المثير للفخر أن هؤلاء الشباب الذين معظمهم لم يخض حربًا قبل ذلك كانوا قادرين على إكمال مهامهم بصورة ناجحة، كما تكمن قوة ذلك الكتاب في أنه لم يقدم مجرد صورة من داخل الحرب، ولكنه أيضًا جاء بمثابة تسليط الضوء على كل جندي في تلك الوحدة، مما يعد شهادة على مهارة رايت في استخلاص الكلمات من أفواه هؤلاء الجنود الشباب.
وقد كشف رايت في كتابه عن الجانب الإنساني في كل جندي، فقد تربوا على احترام قدسية الحياة البشرية، ولكنهم رغم ذلك اصطدموا بقسوة المعارك، فأولئك الرجال الذين تبنوا قيم البطولة التي تفرضها عليهم تلك الحرب وجدوا أنفسهم مجبرين على التعايش مع المعاناة التي ابتلوا بها في تلك الحرب.
يقول رايت في كتابه: (هناك شعور واضح من النشوة يشعر بها أولئك الجنود في كل مرة ينفجر فيها لغم ولا يكونون من بين قتلاه، وهناك نوع آخر من البهجة في تلك الحرب؛ فالكل يقاتل إلى جوار بعضهم البعض، يواجهون الخوف من الشيء ذاته: الموت. والموت عادة ما يكون محصورًا في هوامش العالم المدني؛ فالناس يواجهون نهايتهم في أغلب الأحيان بمفردهم، ربما مع بعض أفراد عائلتهم إذا ما صادفهم الحظ.
أما هنا في أرض المعركة فيواجه المارينز الموت معًا، وفي ريعان شبابهم، وإذا مات أحدهم فإنه سوف يكون محاطًا بأفضل الأصدقاء الذين يمكن أن يحصل عليهم المرء في حياته).
وكتاب ( جيل القتل) يستحق أن يوضع في مصاف الكلاسيكيات الحديثة مثل كتاب (إسقاط الطائرة بلاك هوك) للكاتب مارك بودين الذي نشر عام 1999.
واستطاع رايت في كتابه أن يحكي قصة رجال فرقة الاستطلاع الأولى بدون إطراء أو تجريح لمن يكتب عنهم، بعكس الكتب التي صدرت مؤخرًا لتؤرخ للحرب الأمريكية الحالية، والتي كان الإفراط سمة غالبة لمعظمها.
ولن نستطيع الآن أن نحصل على حكم نهائي حول الحرب على العراق ولا بعد عدة سنوات قادمة، ولكن من رواية رايت القوية نستطيع أن نحظى برؤية عن الفصل الأول من تلك الحرب كما سطره رجال فرقة الاستطلاع الأولى.
|