الكتاب: Guerre et Mondialisation
المؤلف: Michel Chossudovsky
الناشر: plumes Le serpent à
حرب اندلعت بسرعة، كأنها لم تكن بحاجة إلى أكثر من أحداث تراجيدية مثل أحداث سبتمبر(2001). ليس ثمة شك أن العالم بأسره شعر بالاستياء أثناء وقوع تلك الأحداث الكارثية، فليس هنالك ما يبرر قتل الأبرياء، كما ليس هنالك ما يبرر الحرب مهما كانت مسمياتها أو أساليبها أو حتى أهدافها، لأن الحرب تعني في النهاية الدمار وتعني قتل الأبرياء أيضاً، فلم نسمع أبداً عن حرب لم يمت فيها أحد! هكذا يقودنا كتاب (الحرب والعولمة) للخبير الاستراتيجي (ميشيل شوسيدوفسكي) والذي يعد من أكثر الكتاب حرصاً على تناول الوضع الذي آل إليه العالم منذ انهيار القطب الشيوعي، مع نهاية القوى السوفييتية، فاسحاً المجال لقطب أحادي رأسمالي يتخذ من الأسلوب الإمبريالي القديم تنفساً للاستمرار نحو إقامة عالم جديد وفق بروتوكولات جديدة. الكتاب الذي نتناوله اليوم يحاول أن يتطرق إلى نقطة في غاية الأهمية تتصدر اليوم كل الأسئلة المطروحة، وهي من استفاد من الحرب التي خاضتها أمريكا منذ أحداث سبتمبر 2001؟
في البداية يتطرق الكتاب إلى المفهوم السياسي للعولمة، معتبراً أن العولمة هي اختيار السقوط في الفشل طواعية! وهو التعريف الذي يصر عليه الكاتب، باعتبار أن العولمة هو التصغير لعبارة العالم، وبالتالي هو الأسلوب الأكثر راديكالية لتحقير ذلك العالم عبر جعله صغيراً أو مصغراً، وبالتالي فإن التصغير لا يندرج في إطار مرحلي بل يندرج في إطار تتابعي، يمنح للقوة العظمى الحق في إدارة شؤون ذلك العالم الصغير أو المصغر، والحال أن إدارة شؤون الدول (أو الدويلات) لن يكون سياسياً فقط، بل عسكرياً وأكثر من ذلك اقتصادياً.
أمريكا تحتاج دوماً إلى حروب تنتشر هنا وهناك، تحتاج إلى الضعفاء والجياع والمنفيين والمعارضين والشموليين كي تتحرك انطلاقاً من عقدة المكان الضيقة.
تحتاج إلى أنصار دائمين كي تؤسس حلفاء جدداً ومرحليين أو دائمين، تحتاج إلى رهائن حروب وإلى انفصاليين أو ببساطة إلى تجار للموت كي تستمر وكي توجد وكي تزداد قوة مستفيدة من كل الأزمات التي تنفجر بحكم الاحتلال الواقع في العالم. لهذا فإن خيار العولمة هو خيار استراتيجي وجغرافي، وأيدلوجي محض.
ما تصنعه العولمة هو صياغة جديدة لكل المواثيق الدولية وجعلها مجهزة بنظام خاص يستجيب لمتطلبات الولايات المتحدة وليس لمتطلبات العالم، فالحرب الباردة انتهت، مع أن بعض الدول تعتقد إلى يومنا هذا أنها مستمرة، لهذا سقطت الدول الضعيفة والأنظمة الشمولية في الفخ حين اكتشفت أن أمريكا هي التي تسير الأشياء وهي التي تقرر بقاء أو ذهاب هذا النظام أو ذاك. هي إذاً عولمة البقاء بقوة، وعولمة البقاء بضعف وفي النهاية لن يتسنى لأحد الخروج عن الصف. أمريكا هي التي صاغت مواثيق العولمة الجديدة وهي التي تفرض سياساتها وليس من السهل الذهاب بعيداً من دون الرجوع إلى القوة العظمى.
هذا باختصار المفهوم الحقيقي للعولمة من المنظور الأمريكي الراهن، يقول الكتاب.
عولمة الحرب
يتطرق الكتاب إلى الحرب التي شكلت ديمومة البقاء الحقيقية لقوة عظمى أحادية ورأسمالية.
حرب المواقع وحرب الأمكنة، وحرب القوة التي تعني التخلص وبشكل حقيقي من عقدة قديمة اسمها حرب فيتنام.
الأمريكيون يكرهون العودة إلى الكلام عن الحرب الفيتنامية لأنهم خسروا فيها.
ولأنهم (وهذا الأخطر) يكرهون أن يعترفوا أنهم خسروا فيها ولأنهم يعرفون أن خسارتهم كانت في الحقيقة سبباً مصيرياً بالنسبة إليهم نحو انطلاقتهم إلى تبني نظام الحرب الرادعة
(أو بعبارة أخرى مطاردة المارقين) في السياسة الخارجية منذ الثمانينات.
تكرار تجربة فيتنام كان شيئاً مرتبطاً بنفسية الأمريكيين وبالتالي كان المطلب الأكبر هو الفوز في أي حرب تدخلها أمريكا.
لهذا كان الرفض المطلق لتكرار حرب فيتنام أخرى بميكانزمات الخوف النفسي القديم، ولكن بالمقابل كانت الرغبة في الدخول إلى حرب تصحيحية للمفاهيم وبالتالي حرب اختزالية لكل الخيبات الأمريكية الماضية من خلال الرغبة في النصر وبأي ثمن، وهو السبب الذي جعل الاستنجاد بالقوة الجوية من أولويات الدفاع الأمريكي.
ثم إن الحرب على الخارج كانت تحتاج إلى هدف حقيقي، أو لنقل إلى سبب حقيقي يتمثل في صياغة جديدة لمفهوم (العدو رقم واحد)، وكان ذلك العدو الشرس اسمه: الإرهاب!
قبل عشرين سنة كان الغول الذي صنعته السياسية العسكرية الأمريكية اسمه (الشيوعية) واليوم كان يجب أن يتم صنع عدو آخر أخطر اسمه الإرهاب الراديكالي، وبالتالي محاربته تعني الذهاب إلى دول بعينها كما جرى في أفغانستان، وفي العراق..
وكما سيجري في دول أخرى.. يقول الكتاب.
الحرب الأمريكية ضد الإرهاب ليس لها أدنى حدود حقيقية وليس لها وجه ولا وسيلة معينة ولا رائحة سوى رائحة الموت والموت المضاد، ربما لأن الجميع ينظر إلى أحداث سبتمبر 2001 كما لو كانت بيرل هاربور جديدة! ثم يجب النظر إلى الواقع بعين موضوعية أيضاً.
فمن المنظور الجيوبوليتيكي، فإن فترة الرئيس جورج بوش كانت فترة دموية بكل المقاييس، ربما لأن (الواجب القومي) ظل هاجساً على الصعيد الداخلي والخارجي أيضاً، على اعتبار أن المصالح الأمريكية في العالم تظل مهمة وكبيرة، ناهيك عن أنه لأجل المحافظة على تلك المصالح تم إدراج صيغة التسيير الأمني والتي تعني وضع قوانين يتم العمل على أساسها في الداخل وفي الخارج لأجل تأمين المطلب الأمني باسم محاربة الإرهاب.
ثم إنه في السبعينات وإبان الحرب الباردة صاغت الولايات المتحدة قراراً بفرض ما يشبه (حالة الطوارئ السرية) بحيث يتم منح الضوء الأخضر ليتم اقتحام الأماكن المشتبه بها بالطريقة التي يراها المنفذون ضرورية وفعالة، ولهم الحق في إلقاء القبض والتحقيق مع من يعتبرونهم مهاجرين مشتبه فيهم، وبالتالي يحق للمحققين حبسهم للفترة التي يرغبون من دون توجيه تهمة واضحة، وهو نفس الأسلوب التي أقرته الأجهزة الإسرائيلية في عملية مطاردتها للفلسطينيين والتي تسميه أيضاً بنظام (الطوارئ السري) نسبة إلى النظام الأمريكي نفسه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحرب على الإرهاب لم تكن بالنسبة للحلفاء الأوروبيين حرباً سيئة ولا متجاوزة للأعراف الإنسانية، لأنها خدمت مصالحهم أيضاً في فرض قوانين مماثلة للحد من الهجرة الخارجية إليها، ولفرض ما يشبه (الغرامات الجبائية) ذات الدافع السياسي، كما فعل توني بلير حين أصدر مشروعه التعسفي لاعتقال أي شخص يشتبه به والتحقيق معه بالأسلوب الذي يستحقه واحتجازه الفترة التي يحددها المحققون من دون محاكمة صريحة أو توجيه تهمة محددة له.
كما صاغت الحكومة الإيطالية قانوناً مماثلاً لفرض حصار حقيقي على المهاجرين القادمين بالخصوص من إفريقيا أو من أوروبا الشرقية.
ثم إن القوانين الأمريكية الصارمة التي صدرت بعد أحداث سبتمبر منحت (طابعاً شرعياً) لدول كثيرة مثل إسرائيل مثلاً التي كانت المستفيدة رقم واحد من تلك التفجيرات المروعة، فقد استطاعت الدولة اليهودية أن تستثمر تلك الأحداث لصالحها أفضل استثمار على المستوى الأمني والإعلامي والاقتصادي. ففي الوقت الذي كان فيه العالم في حالة من الذهول والصدمة، استفادت إسرائيل من الدعم الأمريكي المطلق لها عبر تصريح رسمي صدر عن وزارة الدفاع الأمريكي لأجل ما يسميه البنتاجون (شراكة الدفاع المشترك) للتصدي للإرهاب وهي الجملة التي استعملها أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي (أرييل شارون) للحديث عن المقاومة الفلسطينية بوصفها (جمعيات إرهابية)، وهو ما أدى إلى وضع بعض التنظيمات الفلسطينية النضالية في قائمة الإرهاب.
إسرائيل استفادت من تفجيرات سبتمبر مرة أخرى حين منحتها أمريكا دعماً عسكرياً مطلقاً وحين منحتها دول أوروبية مثل بريطانيا وايطاليا وهولندا وألمانيا وفرنسا (تعويضات) مالية واقتصادية وسياسية لم تحدد إلى الآن صفتها أو صيغتها أو سقفها الذي أدرجت عليه، يقول الكتاب، سوى أنها عبارة عن (منح استحقاق) إلى الإسرائيليين للدفاع عن أنفسهم من احتمال تكرار أحداث مماثلة ضد الدولة العبرية في الشرق الأوسط! ربما لم يستوعب الجميع صدمة الأحداث إلا حين بدأت تلوح بعض الحقائق عن تورط جهات داخل أمريكا نفسها وبالتالي تورط جمعيات يهودية أيضاً داخل الولايات المتحدة حسب ما نشرته الواشنطن بوست، عام بعد الأحداث، يقول الكتاب.
الوجه الذي ظهرت عليه أمريكا بعد سبتمبر 2001 هو نفسه الوجه الذي جعل العالم يتغير. فقد قالت فرنسا يومها: إن كل فرنسي يشعر أنه أمريكي، قبل أن تستعمل أمريكا عبارة (قرود أوروبا) لتوجيه كلامها إلى الفرنسيين! حتى العلاقات الأمريكية الأوروبية تغيرت وصارت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الذي صنعه القرار الأمريكي بضرب العراق.
فالتوقيت لم يكن مناسباً باعتبار أن المعاناة الفلسطينية زادت حدتها في العامين الأخيرين، وباعتبار أن تطبيق (عدالة دولية) كان يجب أن ينطلق من تطبيق حق الأرض للفلسطينيين كي يشعر العالم المستضعف والعالم العربي بالخصوص بالارتياح، باعتبار أن إيقاف الأذى عن الفلسطينيين هو المطلب الأكبر للعالم وللعالم العربي بالخصوص. لكن الحرب على العراق تمت وتورطت أمريكا أكثر في المستنقع العراقي.
إلى درجة أن البعض صار يلوّح بعبارة (فيتنام جديدة) ربما لأن الخسائر الأمريكية في العراق كانت أكبر من المحتمل ومن المتوقع، ولأن العراق في النهاية لعبة استراتيجية أمريكية بدأت عام 2000 كما يقول (جيمس كول) الذي كان واحداً من (مهندسي) الضربة الأمريكية على العراق. يبقى أن نقول إن فكرة الحرب والعولمة كما يطرحها الكتاب هي الوجه الثاني من عالم آخر سيولد غداً باستراتيجية جديدة للحرب القادمة، قد تستعمل فيها القوة العظمى أسلحة متطورة جديدة، وربما لن تضطر إلى إسقاط قنبلة، بل تكتفي بنشر مرض مميت لتبيد به دولة بعينها، وهو ما يعني حصرياً: (مشروع القتل بأسلوب الإبادة!) يقول الكاتب.
|