* واشنطن
من ماريا إيزابيل ريفيرو - د.ب.أ:
مازال تأثير هجمات 11 أيلول- سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات على المجتمع الأمريكي يمثل عنصرا أساسيا لفهم هذه الدولة، وتثير صور اصطدام طائرتي ركاب ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك مشاعر مختلفة تماما في النفوس مقارنة بالمشاعر التي كانت نفس اللقطات تثيرها في نهاية عام 2001 ومطلع عام 2002م.
وكان رد الفعل الفوري للأمريكيين هو التوحد في مواجهة عدو مجهول قتل ثلاثة آلاف مدني دون أن يعلن الحرب رسميا وأثار شعورا غير مسبوق بالتهديد في دولة ظلت بمأمن من الهجمات معظم فترات تاريخها بفضل قوتها وموقعها النائي.
وحركت تلك الهجمات مشاعر الجميع سواء من الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين والمحافظين ومن يسمون بالتقدميين واليمينيين واليساريين فضلا عن سكان شمال وجنوب البلاد واتحدوا تحت مظلة الهوية الأمريكية وشعروا أن لديهم مبررا للدفاع عن حياتهم بعد وقوع الهجمات.
وحشد الرئيس الأمريكي جورج بوش دعما دوليا لخوض الحرب في أفغانستان والإطاحة بنظام طالبان الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وذلك بدعم كبير ليس من جانب الرأي العام الأمريكي فحسب بل أيضا من مواطنين عاديين في الخارج، وبدأ الشعور بالوحدة يتبدد بعد أن طرحت إدارة بوش جدول أعمال أثار قدراً كبيراً من عدم الارتياح.
وطرح (قانون باتريوت) (المواطنة) الذي صاغه المدعي العام الأمريكي جون أشكروفت مناورات قانونية تمثل انتهاكا صارخا للحقوق المدنية الراسخة في التاريخ الأمريكي مثل حق احتجاز مشتبه فيهم دون توجيه اتهامات، واعتقال مشتبهين دون السماح لهم باستشارة محامين والتنصت على الاتصالات الهاتفية ومراسلات البريد الاليكتروني دون أوامر قضائية بل إن حتى أمناء المكتبات كان يفترض أن يقدموا تقارير سرية عن قوائم استعارة الكتب دون إبلاغ المستعيرين، ولم تكن احتجاجات جماعات الدفاع عن الحقوق المدنية تسمع بالكاد في أوج مطالبة الرأي العام بتقديم الضالعين في الهجمات للعدالة.ولكن حرب العراق كانت العنصر الذي أطاح في نهاية المطاف بالمشاعر القوية التي انتابت الأمريكيين بعد هجمات 11 أيلول- سبتمبر وإعادتهم إلى حالة الانقسام العميق الذي يسود صفوفهم.
واختار بوش أن يقدم مبرراته لشن الحرب ضد العراق في الذكرى السنوية الأولى لوقوع الهجمات على منبر الأمم المتحدة، وطالب بغداد بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل أو مواجهة عمل عسكري.
وطرح الرئيس الأمريكي هذه المسألة على مجلس الأمن المنقسم على نفسه وتسبب في اختلافات كبيرة في صفوف التحالف عبر الاطلسي حيث أعربت فرنسا وألمانيا وروسيا عن معارضتها للحرب.
وتحولت الوحدة التي كان يفاخر بها الأمريكيون بعد الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأمريكية إلى انقسام عميق بعد ثلاث سنوات في الوقت الذي قادت فيه الولايات المتحدة 'تحالف من الراغبين' في حرب ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومازالت توفر معظم الموارد المالية والعسكرية في الصراع الذي يتفاقم باستمرار، واضطر مسئولو الادارة الأمريكية إلى الاعتراف بعدم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، وعاد الشعب الأمريكي مرة أخرى منقسما على نفسه بالتساوي، ومن المتوقع أن يرجح كفة الفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني-نوفمبر المقبل حفنة من الناخبين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد.
ويعتقد نصف الأمريكيين أن بوش أبلى بلاء حسنا فيما يسمى الحرب ضد الارهاب وأن إدارته ضمنت عدم تعرض البلاد لهجمات مرة أخرى فيما يعتقد النصف الآخر أن بوش اتخذ إجراءات هدامة تقوض الحريات المدنية وانتهج سياسة خارجية تسببت في استعداء المجتمع الدولي واستفزازه.
|