أرسل لكم هذا التعقيب حول ما نُشر في (مدارات شعبية) بتاريخ 15 رجب 1425هـ بقلم الأستاذ عبدالله الربيعان تحت عنوان: (الدلالة في مطلع القصيدة الشعبية)، حيث إن الكاتب أراد أن يناقش قضية نقدية صرفة، لكنه أحالها إلى طرح فكرة سطحية دون تأصيل أو توثيق. فالقضية هي دراسة واسعة حول بنية القصيدة، سواء الفصيحة أو (الشعبية). والمتتبع للقصيدة العربية يدرك التحول المتدرج في شكل وبنية القصيدة، فمن البنية الثلاثية حتى قصيدة التفعيلة والقصيدة المدورة. والبنية الثلاثية قائمة على مطلع الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي، فيما عدا شعر الصعاليك. أما صدر الإسلام والعهد الأموي فسار على البنية الثلاثية والمقدمة الطللية، بعكس العصر العباسي الذي شهد تحوُّلاً في نمطية وشكل القصيدة والخروج عن المألوف من المقدمة الطللية إلى المفصل الثالث للبنية الثلاثية، وأقصد به غرض القصيدة. ولا أدل على ذلك من شعر أبي نواس. أما الشعر في العصر الحديث فتباينت فيه أشكال القصيدة من المشرق العربي حتى المغرب العربي والأندلس بين الصورة التقليدية (الكلاسيكية) وصورة القصيدة في إرهاصات الشعر الحديث التي ولدت في الزمن المعاصر الحداثة بأشكالها وأطيافها المختلفة. وهذه القراءة النقدية السريعة تكشف مراحل شكل القصيدة العربية، وتؤصل مرجعية هذه الأشكال. أما ما يتعلق بالدلالات (Symantix) فلا يمكن قراءتها من خلال هذا الشكل، بل من خلال تحليل النصوص.
أما فيما يتعلق بالشعر (الشعبي) فسار على نمط الفصيح، ومر خلال فترة زمنية قصيرة جداً بالعديد من الأشكال التي تماثل أشكال القصيدة العربية الفصيحة، مروراً بقصائد العوني وابن لعبون والخلاوي وبديوي والهزاني، الذين استفادوا من قصيدة دولة الأنباط التي طابقت الفصيحة شكلاً ولغةً ومضموناً، وخالفتها إعراباً. وهذا يفسر تشابه الشعبية والفصيحة، ويؤكد أيضاً مرجعية أشكال القصيدة الشعبية التي هي الوجه الآخر مع اختلاف المفردة والإعراب للقصيدة الفصيحة. والمتتبع للشعر الشعبي يدرك أن تحول شكل القصيدة الشعبية مرَّ بمراحل وإرهاصات لا يمكن نسبتها إلى شخص معين، بل لحركة شعرية اتضحت ملامحها وتبلورت عند ماجد الشاوي والأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن ومساعد الرشيدي ونايف صقر.
أحببتُ في هذه العجالة أن أعرض دراسة بنية القصيدة بشكل مبسط ومقتضب؛ ليكون مفتاحاً للمتابعين للساحة الشعبية دون خلفية ثقافية تاريخية نقدية تضع النقاط على الحروف، وتشفي غليل الشعراء في الساحة. أما الباحثون فيدركون ذلك ويعرفون القضايا النقدية الشائكة ومدارسها المختلفة.
وتقبلوا فائق التحية والتقدير.
مفرّح الرشيدي /النادي الأدبي بمنطقة حائل |