من الانتفاضة إلى صواريخ القسام

تبرع إسرائيل في ارتكاب المذابح، لكنها تقلق إلى حدّ الجنون من التوقعات المرتبطة بعاقبة أفعالها الآثمة. وقد أتبعت مذبحة حي الشجاعية في غزة التي أسفرت عن استشهاد 15 عنصراً من حماس بحملة عسكرية متواصلة منذ ثلاثة أيام في القطاع بأمل إحباط أيّ محاولة للردّ على المذبحة الفظيعة. وهي إذ تفعل ذلك، وتحاول منع الهجوم، فإنها ترتكب المزيد من الفظائع؛ أي أنها تزيد من عزم الفلسطينيين على الانتقام وبصورة أقوى، وهي تعلم أنها ستتلقى رداً موجعاً.
إسرائيل تعلم هذا وغيره، ومع ذلك فهي لا تفتأ تراهن على قواتها العسكرية المتفوقة، غير أن هذه القوة المتفوقة لم تستطع إنجاز طموحات إسرائيل في تركيع وإخضاع الفلسطينيين، بل هي تزيدهم في كلّ مرة إصراراً وعزماً على منازلتها في كلّ الساحات، وفي كلّ مرة تجد إسرائيل أن عليها أن تتعامل مع أسلوب جديد للمقاومة؛ فقد أذهلتها الانتفاضة بقدرتها على الاستمرار، وبما تكتسبه من زخم سياسي وجماهيري، وما يتولد عنها من أساليب جديدة في النضال لا قِبل لإسرائيل بمواجهتها أو مجاراتها، بما في ذلك استعداد المقاومين للتضحية بالأنفس.
القلق الإسرائيلي يتركز الآن على هذه الصواريخ اليدوية الصنع التي لا تحتاج إلى منصات إطلاق ثابتة، بل يمكن نقلها بسهولة من مكان لآخر؛ ما يعطيها ميزة استراتيجية كسلاح (مقاوم) من الطراز الأول يفيد كثيراً في التحركات الخفيفة والسريعة التي تتفق وطبيعة عمل المقاومة، فضلاً عمّا تتمتع به من مدى لا يقل عن ثمانية كيلو مترات.
ومن الناحية العسكرية قد لا تكون لصواريخ القسام قوة تدميرية كبيرة، ومع ذلك فهي تستطيع أن تحدث خسائر مقدرة، غير أن قيمة هذه الصواريخ تتمثل في انعكاساتها السياسية والعسكرية السياسية والنفسية؛ كونها قادرة على إرباك العدو، وإقلاقه فضلاً عمّا يمكن أن تسبّبه من خسائر، وما تتركه من هلع في نفوس المستوطنين سارقي الأرض.
وسيكون على إسرائيل دائماً مواجهة أسلوب جديد في النضال؛ فهؤلاء الذين يسندهم حق شرعي في النضال، كما تدعمهم القوانين الدولية كمناضلين من أجل استعادة حريتهم وحقوقهم، سيجدون الآفاق واسعة أمامهم لخوض النضال الذي يتفق مع طبيعة كلّ مرحلة، وذلك الذي ينزل بالعدو الخسائر المؤثرة.
وسيكون مفيداً للقضية الفلسطينية ورادعاً لإسرائيل إذا استطاع العالم الوقوف إلى جانب الحق والعدل؛ فذلك من شأنه تجنيب المنطقة والعالم أجمع الكثير من مظاهر عدم الاستقرار السائدة الآن؛ لأن تأييد إسرائيل من قِبل الدول الكبرى وهي تعتدي على الفلسطينيين لا يترك سبيلاً إلا للعمل في اتجاه واحد هو تصعيد المقاومة وبكلّ الأساليب.