Friday 10th September,200411670العددالجمعة 25 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "لقاءات"

يؤكد أن الخلافات الزوجية ليس سببها السحر فقط.. الشيخ عبدالله بن غميجان لـ«الجزيرة »: يؤكد أن الخلافات الزوجية ليس سببها السحر فقط.. الشيخ عبدالله بن غميجان لـ«الجزيرة »:
الشفاء من المس والسحر ليس متوقفاً على الضرب وفي الرقية الشرعية العلاج الأوفى

* الجزيرة «خاص»:
الرقية الشرعية من أكثر ما تستدفع به امراض النفس والبدن، متى توافرت فيها الشروط التي تضمن صحتها بعيداً عن دجل الدجالين، او شعوذة المشعوذين، او سحر السحرة، او تجارة التجار بآلام المرضى وحاجة المحتاج.
وفي حوار للجزيرة مع الشيخ عبدالله بن محمد بن غميجان أحد الرقاه الشرعيين .اعترف ان مجال الرقية ازدحم بكثير من الدجالين والمشعوذين والسحرة واشار الى طريقة معرفة كذب هؤلاء، كما حذر من العلاج بالتخييل لما فيه من مخالفات شرعية.
و تطرق الى الرقية في اماكن تشبه العيادات الطبية، وما قد يحصل عليه الراقي من اجر، شارحاً الفرق بين الاجارة والجعالة..
كما تطرق الى سبل الوقاية من العين، واسباب حدوث الخلافات الزوجية الناتجة عن العين او السحر والمس.
وفيما يلي نص الحوار..
**كيف تنظرون إلى من جعل الرقية كالعيادات الطبية ووضع بطاقات للدخول بقيمة معينة؟
هذه الصورة غير معروفة لدى السلف، وهذا يعالج بقرار اداري يمنع ذلك اذا كان لها سلبيات ظاهرة، اما ما يخص اخذ الاجرة فقد اقرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عندما رقى اللديغ وكان شارطهم على جُعْل فتصالحوا على قطيع من الغنم، وقد رقاه بسورة الفاتحة، وكما في حديث خارجة بن الصلت عن عمه في رقية المعتوه فأعطوهم جعلاً وهما حديثان صحيحان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيين على أخذ الاجر، بل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث خارجة «كُلْ، فلعمري من أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق»، وهذا دليل على جواز الاخذ على الرقية إجارة او جعالة شرط او لم يشرط، وهذا من حق الراقي فلماذا نستكثر عليه ما يأخذه بحق وفيه نفع ولا نرفع رأساً بمن يأخذ بالباطل اضعاف ما يأخذه الراقون، فالله المستعان، ومن لا يأخذ من الراقين فهذا لطف منهم يشكرون عليه.
** ومالفرق بين الاجارة والجعالة؟
الاجارة ان يتفق الراقي والمريض على مبلغ معين على الرقية بغض النظر عن حصول الشفاء او عدم حصوله، اما الجعالة فهي ان تكون على الشفاء.
** ولكن البعض يقول بأن اخذ الاجرة خصوصاً اذا كانت اشتراطاً مما يقلل الانتفاع بالرقية بدليل عدم استفادة كثير من الناس من الرقية اليوم؟
الانتفاع بالرقية لايمنعه اخذ الاجرة ولا يجلبه ترك الاخذ فقد ينفع الله برقية من اخذ، وهذا امر مشهود قديماً وحديثاً، وقد يتخلف الانتفاع برقية من لم يأخذ، وقد يحدث العكس، ويحسن هنا ان اورد ما ذكره ابن القيم رحمه الله حول هذه النقطة:
) قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً )(فصلت: من الآية44)فقيد نفعه بالمؤمنين.
وكلما كان ايمان الانسان اعمق ويقينه في القرآن اقوى كانت استفادته به اعظم وانفع وضده بضده نعوذ بالله من الخذلان، ومن لم ينتفع بالرقية الشرعية فعليه ان يتهم نفسه ويراجع حساباته ويجدد ايمانه ويجتهد في تقويته وتعميق صلته بخالقه مع الصبر والاحتساب والرضى بالمقدور، والبعد عن التشكي والتسخط.
** كيف يستطيع الانسان ان يحمي نفسه من العين وغيرها؟
مما يحرز الانسان به نفسه من العين وغيرها:
1- تحقيق الايمان بالله جل وعلا ايماناً يبعث على صدق التوكل على الله، وعمق الثقة به، وملازمة الالتجاء اليه في السراء والضراء فإن الله سبحانه وتعالى يقول { )إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)(الحج: من الآية38) }، { )أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)(الزمر:36) }، { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
2- تلاوة القرآن الكريم تعبداً لله جل وعلا ، ومن ذلك تلاوة ما ورد الدليل بذكر خصائصه كسورة البقرة التي ورد فيها الحديث الصحيح ان من قرأها في بيته لم يدخله الشيطان وآية الكرسي التي من قرأها صباحاً ومساءً لم يقربه شيطان قط، ومن ذلك آخر آيتين من سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه وكذلك المعوذتان ماتعوذ بمثلهما متعوذ.
3- ملازمة الاذكار الشرعية المطلقة والمقيدة كأذكار الصباح والمساء والنوم، ودخول البيت، والخروج منه والركوب والتسبيح والتهليل والاستغفار.. الخ، فان لذلك اثراً بالغاً في حفظ الانسان مما يكره ويحاذر.
4- المحافظة على الصلاة فرضاً ونفلاً وخاصة الصلوات الخمس في جماعة بالنسبة للرجل بحيث تؤدى في وقتها، اذ المحافظة عليها مجلبة للرزق مطردة للسقم، ونور في الوجه وانشراح في الصدر ويسر في الامر.
5- اجتناب الظلم وأذية الآخرين فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن دعته قدرته على ظلم غيره فليتذكر قدرة الله عليه، اذ قد يسلط عليه من هو اقدر منه واقوى، وكم من اناس اصيبوا بامراض ومصائب بدعاء من ظلموه وآذوه فلنحذر من الظلم صغيرة وكبيرة فرب دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون، بل على المسلم ان يضمر لاخوانه المسلمين من الخير ما يحب ان يضمروه له، ومن كف شره وأذيته عن الناس فإنه حقيق ان يكف الله عنه شر الاخرين واذيتهم.
6- استغلال الوقت بطلب العلم الشرعي من خلال دروس العلماء الثقات ولو باشرطة بالسيارة.
** ولكن بعض الناس يقول بأنه يؤدي الصلاة ويقرأ القرآن ويحرص على الاذكار، ومع ذلك يصيبهم ما يصيبهم؟
كثير منا يهتم بصور الاشياء، ويغفل عن حقائقها فتجد بعضنا يؤدي الصلاة، ولكنها صلاة جوفاء لم تحقق فيها شروطها وواجباتها واركانها، وقد ورد في الحديث «ليس للانسان من صلاته الا ما عقل»، وبعضنا يدعو ويستغيث بالله الا انها كلمات يتحرك بها اللسان في وقت يسرح فيه القلب في فضاء الافكار والهواجيس وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال «لا يقبل الله من قلب غافل ولاه».
** هناك من يعزو كثرة المشاكل الزوجية للعين والسحر والمس؟
لا ينكر ان لهذه الامور دوراً في ذلك، لكن لا ينبغي ان يصرف ذلك نظرنا عن اسباب مهمة اخرى لأن اختزال الاسباب في السحر والحسد منافاة للواقع وهروب من الحقيقة وتملص من المسؤولية اذ الاسباب كثيرة، واخطرها ما يكون من الزوجين انفسهم.
** مثل ماذا؟
1- النظر الى الزواج نظرة مستغرقة في اللذة والشهوة والمتعة بعيداً عن الشعور بالمسؤولية، والنية الصالحة بتحصين الفرج وللأسف كثير من الازواج اليوم لم يربوا على تحمل المسؤولية فيسقطان من اول مشكلة.
2- الانانية وغلبة الهوى، وعدم الانصاف، فترى كل واحد من الزوجين يريد من الآخر ان يعطيه كامل حقوقه دون ان يؤدي الحقوق التي عليه لصاحبه فهو يخطئ ثم يتهم الآخر بأنه هو المخطئ.
3- عدم استصحاب النية الصالحة في العشرة الزوجية، تلك النية التي تولد في النفوس شعور المودة والرحمة وتبعث على العفو عن الهفوات والزلات استجابة لقوله تعالى { وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، وقوله تعالى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فالأمور خاصة بين الزوجين قد لا تستقيم اذا كانا او احدهما يحاسب على كل شيء ويقف عند كل خطأ فلا بد من العفو والصفح تقرباً الى الله تعالى.
4- السماح للآخرين اياً كانت منزلتهم بالتدخل السافر في شؤون الزوجين الخاصة، وفتح الاذان لسماع الآراء التي يتسم غالبها بالجهل والحماقة، ولا يخلو بعضها من استغلال ما قد يحصل بين الزوجين من خلاف للوقيعة وتوسيع الفجوة بينهما عسى ولعل ان تفسد حياتهما حسداً من عند انفسهم.
5- اعتبار ما يعرض في الفضائيات وغيرها من الوسائل الاعلامية المقروءة والمسموعة من معالجات اسرية، ومشاكل زوجية اعتبار ذلك مصدراً من مصادر التلقي والتثقيف، مع انه ثبت واقعياً ان كثيراً من المشاكل الزوجية إنما نشأت بسبب هذا الاعتبار، وطريقة تلك الوسائل الاعلامية في العرض والمعالجة بعيداً عن المنهج الرباني، بل بعيداً عن الانصاف ايضاً من خلال اختيارهم للشخصية الضعيفة الساذجة التي تمثل دور الصالح المحافظ بينما الشخصية القوية الجذابة تكون للمتحرر المتفلت.
6- قلة الصبر وضعف التحمل امام بعض المشاكل التي تحدث واتسام الزوجين او احدهما بالحساسية والنظر العاطفي المجرد للتعاملات الزوجية فلا يثبت قلبه امام واردات الاختلاف فينهار، وبعض الازواج فيه حماقة وصفاقة كما ان فيه يأساً يرى معه ان مشكلته ليس لها حل، مع ان العاقل هو الذي دائماً يتوقع الخير ويسعى اليه.
7- التعامل مع المشكلات تعاملاً احصائياً جميعاً بحيث يحتفظ بالمشاكل وان صغرت في قلبه كالارشيف، بما يولد في النفس برودة المشاعر ثم تتنامى في قلبه مشاعر النفور والكره حتى تسد منافذه فيقع الخصام والفراق، وبعض الناس نكد الطباع يغضبه كل شيء ولا يرضيه اي شيء حديثه منّ وخواطره سوء ظن ولذلك لابد من ان يعي الزوجان واهلوهم ومن حولهم اهمية محو الزلات ويتعلموا المبادرة للعفو وان يتأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم «لايفرك مؤمن مؤمنة ان سخط منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر»، ولذلك ادعو الزوجين الى تجديد مشاعرهم مع ازواجهم، وإعادة اكتشاف جوانب الخير والجمال في خلقهم واخلاقهم.
8- التعامل الحدي يا أبيض يا أسود فإما حب باندفاع او بغض باندفاع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «إذا أحببت أحبب هوناً ما عسى أن تكره يوماً ما وإذا أبغضت أبغض هوناً ما عسى أن تحب يوماً ما»، فالتوسط مطلوب في كل الأمور.
9- إلقاء اللوم على الآخرين وتبرئة النفس من العيب والخطأ والحقيقة أن كل إنسان له دور في النجاح وله دور كذلك في الفشل.
** هل من توجيه للأزواج حيال ذلك؟
أقول يا أيها الازواج أضيئوا وجوهكم بالابتسامة المشرقة وامتلكوا القلوب بالكلمة العذبة، لا تسجنوا انفسكم في اقفاص الاحباط ومشاعر النكد وسوء الظن، ولا تكونوا اسرى المواقف السلبية او الصور والمشاهد المعلبة التي تعرقل مسيركم نحو تحقيق اهدافكم، وتعبث بمشاعركم وتؤثر في تفكيركم، لا تفكروا بصوت مرتفع لأن ذلك يفقد التركيز والقدرة على التحكم في العواطف والتصرفات والألفاظ، تعلموا كيف تفكروا بهدوء وتتصرفوا بحكمة، تعلموا أسلوب التأثير الايجابي في الآخرين: كيف تقنع كيف تحاور، كيف تكسب دون أن تخسر أحداً: زوجك، أمك، أباك، أخاك، صديقك، شريكك، كيف تكون أكثر احتراماً ولطفاً ورفقاً، ولنعلم ان الأمر ليس بمجرد الأماني والأحلام ولكن بالممارسة لهذه الخصال الجميلة، بادر الى المسارعة الى غسل القلب من مشاعر المؤاخذة للآخر، وعدم السماح لمشاعر الكره ان تسكن في القلب فتفسده، وأوصي كل زوجين ان يكونا كبيرين في تفكيرهما عصيين على الشيطان والهوى، وأن لا تكون العشرة الزوجية وما نشأ عنها من اولاد وصلات ضحية لطيش او هوى او انتصاراً للذات، بل لا بد من التجرد وتغليب المصالح الكبرى للطرفين ومن ورائهما من الذرية والأهلين على النزوات الشخصية، ولابد من الصبر والتنازل عن بعض الحقوق وفتح القلب لمشاعر المودة والرحمة وتحريك القلب والفكر بذلك، اقبل صاحبك على مافيه من قصور، وعش حياتك معه بسعادة وسكينة، واعمل برفق وصدق وحكمة على تلافي جوانب القصور في شخصيته او اخلاقه او ثقافته او مهارته او نفسيته من خلال: اكسابه المهارات اللازمة والمعارف المفيدة والصفات الحميدة، واسلوب التفكير السديد مع الصبر عليه في تعلم ذلك وممارسته.. انني ادعو كل زوجين بل كل احد لأن يكون واقعياً في تفكيره ولا يربط حياته بحياة غيره.
** كيف؟
لا يمكن للناس ان يكونوا جميعاً على نسق واحد او مستوى واحد لامن حيث الصور والابدان، ولا من حيث التأهيل المعرفي والسلوكي، ولا من حيث الاهتمامات والقدرات العقلية والنفسية والمهارات الاتصالية التعاملية، وهذه الامور منها ما لا حيلة للانسان فيه كالصفات الجسدية، والنسب ونحوها، ومنها ماله فيها تصرف كالاخلاق والثقافة والمهارة ونحوها، وبعض الازواج رجالاً ونساءً يظن ان حياته ستكون افضل لو كان شريكه اكمل جسماً وأجمل وصفاً وأكثر تأهيلاً وحيث لم تتوافر هذه فيه تراه ينظر بانتقاص الى شريكه ويستدعي المشاعر السلبية تجاهه حتى تسد منافذ قلبه وتدفعه الى الانفصال او الحياة البئيسة المليئة بالمشاكل ولو انه قنع بما لديه وقطع حبل الاماني لرأى أنه في نعيم لم يدركه كثير من الناس. ولذلك ارشد النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننظر الى من هو اعلى منا في الدنيا ولكن ننظر الى من هو اعلى منا في الدين لأن ذلك أجدر ألا نزدري نعمة الله علينا وكم من انسان ترك ما هو اجمل وصفاً وأكمل جسماً الى ما هو أقل طلباً للسعادة وليست هذه دعوة الى ترك الأجمل والأكمل ولكنها دعوة الى الاحتفاظ بما لديك والسعادة به، وقد قيل:


إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

وقيل:


ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً ان تعد معايبه

** هل يعني ذلك ان ازدياد حالات الطلاق راجع الى هذه الاسباب وليس راجعاً الى العين والسحر والمس؟
ارجاع اسباب ازدياد ذلك الى ما ذكرته في الجواب السابق اولى من ارجاعه الى السحر والعين والمس، وان كان لهذا الاخير اثره لكنه غير كبير، لادراك الناس لضرره وسعيهم الى التخلص منه بدرجة تصل ببعضهم الى الوهم، اما الاسباب الاخرى فان كثيراً من الناس يجهلها او يتجاهلها وبعضهم ليس لديه الاستعداد لتلافيها ومعالجتها اما لكونها تدفعه للتخلي عن مخالفات شرعية والتوبة منها وهو لايريد ذلك او لانها تلزمه بالاعتراف بخطئه في حق صاحبه وتوجب عليه انصافه من نفسه، وهو يرى ان في ذلك هزاً لشخصيته ونيلاً من مكانته فيركب رأسه ويلج في عناده ولذلك ترى هؤلاء يوصدون ابواب الحوار ويرفضون اي مبادرة للاصلاح، وهذه مصيبة ولكن اين المعتبر.1
** لكن هناك ممارسات من بعض الراقين محل نظر وبعضها منكر من الفعل والقول ومن ذلك كثرة الحديث عن استعمال الضرب والصعق الكهربائي والخنق في الرقية كوسيلة للعلاج من المس والسحر، فما رأيكم حيال ذلك؟ وهل لذلك فائدة؟
لا احبذ استعمال الضرب ولا الخنق ولا الصعق بالكهرباء لأمور منها:
1- ان فيها اضراراً بالغة ربما وصلت الى التسبب في موت المريض، او احداث تشوهات في جسده وضرر على عقله ونفسيته.
2- بغض النظر عن وجود فائدة في الضرب او عدمها فان الشفاء من المس والسحر ونحوهما ليس متوقفاً على الضرب بل في الرقية والالحاح في الدعاء ما يكفي ويشفي بإذن الله تعالى.
3- ان بعض الذين يرون فائدة في الضرب تصيبهم انفعالات عصيبة فيسرفون في الضرب والخنق فربما كسروا او جرحوا بل ربما قتلوا.
4- احياناً يكون التشخيص للحالة خاطئاً فيظن الراقي ان بالمريض جناً فيضربه لذلك بزعم ان الضرب سيقع على الجني ويلجئه الى الخروج من جسد المريض، والحقيقة ان الضرب يقع على المريض لعدم وجود جني اصلاً في جسده فهذه تحدث كثيراً أعني الخطأ في التشخيص واناشد اخواني الراقين بتركه والاكتفاء بالرقية والدعاء وحسن التوجيه.
** مامدى صحة قيام بعض المرضى يتقمص شخصية المصاب بالمس؟
هذا صحيح وقد وقع مثل هذا كثيراً، لكن الامر ليس محصوراً في التقمص فهناك من المرضى من يسيطر عليه الوهم باصابته بالمس او السحر او العين او غيرها من الامراض وهو ليس كذلك وهذا كثير والمشكلة ان كثيراً من هؤلاء المتوهمين يفرح اذا وافقته على توهمه ويغضب وينفر منك اذا صدقت مهه، وبينت ان الذي فيه وهم سيطر على مشاعره عليه ان يتجاهله ويدفعه باعتقاد خلافه، ومثل هؤلاء تراهم ينتقلون من راق الى آخر ومن طبيب الى طبيب وربما ساء بهم الحال الى اللجوء الى السحرة والمشعوذين ثم بعد ذلك يتهمون الرقاة والاطباء بالضعف وعدم المعرفة.
** وما سبب ذلك في ظنك؟
اولاً ينبغي ان ندرك ان الوسواس والتوهم ليس غريبين وهما يحدثان للبعض في جوانب كثيرة من حياتهم فيحدث في الوضوء فتجد احدهم يتوضأ ثم بعد ذلك يعيد الوضوء مرة ومرتين وثلاث بحجة انه لم يتوضأ، ثم من اسباب ذلك: ضعف شخصية الموسوس واستسلامه لهذه الواردات الخبيثة بما يفقده التركيز فيعبث الشيطان بفكره وعواطفه مع ضعف عزيمته، ولو انه طرد هذا الوارد وتجاهله واحضر ذهنه وقوى تركيزه واعتقد خلاف ذلك لارتاح وشفي منه، ثم الجهل المطبق بابسط الامور حتى ان بعض المرضى يأتي لبعض الادعياء على الرقية ممن لا يعرف بصلاح ولا علم ولا ورع بل ربما كان ساحراً او مشعوذاً او دجالاً، فيصدقه المريض فيما يقول ولو كان ظاهر الكذب، فمثلاً: امرأة مصابة بالعقم ذهبت الى معالج دجال فأخبرها بأن في رحمها جناً يوجب عليه ان يخرجه بأصبعه عن طريق المهبل فكيف يصدق مثل هذا، واذا سمح هذا المدعي لنفسه بمثل هذا الفعل والتلبيس فكيف يسمح المريض لنفسه ان طاوعه في ذلك، للاسف كثير من المرضى لا يحكم عقله فيما يسوغ وما لا يسوغ.
** ماذا تقصد؟
مثلاً ربما اعطي دواء بزعم انه يشفي من العين او السحر او يطرد الجن ولو كان شديد الغرابة فيسرع المريض في اخذه وربما كان فيه ضرره وقد كاد احد المرضى ان يموت بسبب عشبة شديدة الاسهال بزعم ان في المريض جناً ستخرجه هذه العشبة، وهذا يبين لنا بعد المسافة بين كثير من الناس وبعض المعالجين وبين المنهج الشرعي الأصيل الواضح.
** وماذا عن الجن؟
اولاً الجن من مخلوقات الله العجيبة الدالة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه وخلقها متقدم على خلق الانسان كما قال الله تعالى في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَفقد ذكر جمع من المفسرين ان قول الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، انما كان قياساً على امة تقدمت وان تلك الامة هم الجن، ولهذا قدم الجن في الذكر على الإنس بحكم تقدمهم في الخلق والايجاد على الانس في قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } واصرح من هذا وذاك في الدلالة وجود ابليس مع الملائكة قبل خلق آدم على القول بأنه من الجنس وليس من الملائكة وهو الأظهر ولما خلق الله آدم جعل ابليس يتفحصه ويطيف به قبل نفخ الروح فيه.
ثانياً: جعل الله للجن خصائص تميزهم عن غيرهم.
** ما هذه الخصائص؟
1- مادة خلقهم فهم مخلوقون من نار قال تعالى {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} .
2- الاستتار ومنه سموا جناً من الاجتنان وهو الاستتار قال تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} .
3- القدرة على التشكل في صورة متعددة كصور الإنس او الحيوانات من دواب وعقارب وحيات وغيرها ولهذا جاء ابليس الى قريش في صورة رجل من نجد مرة وفي صورة سراقة بن مالك مرة اخرى يغريهم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وتفريق دمه بين شباب قريش في الأولى ويحضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «ان لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئاً منها فحرجوا عليها ثلاثاً فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر»، وفي رواية «فإنه شيطان» اخرجه مسلم.
4- طعامهم العظام ولبهائهم الروث والبعر، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود في حديث ليلة الجن وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم «أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن»، قال: فانطلق بنا فأرانا اثارهم واثار نيراهم وسألوه عن الزاد فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في ايديكم اوفر ما يكون لحماً و كل بعرة علف لدوابكم»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فلا تستنجوا بهما فانهما طعام اخوانكم».
5- مساكنهم اماكن الخلاء كدورات المياه والخرائب والفلوات وصدوع الارض ولهذا امرنا بان نقول عند دخول الخلاء «باسم الله اللهم انا نعوذ بك من الخبث والخبائث» اي من ذكران الشياطين واناثها، كما نهينا عن البول في الحشوش والشقوق والتصدعات في الارض، ولقد اخبرني اخ عزيز انه كان في فرنسا للدراسة فاستأجر بيتاً لسكناه فلما جنَّ عليه الليل اخذ يتلو القرآن فسمع جلبة واحس بوحشة فاستمر في التلاوة فازدادت الجلبة حتى خشي على نفسه، ولازال يتلو والاصوات تزداد ثم اخذت في التلاشي حتى لم يعد يسمع صوتاً ولا يحس بوحشة، ولهذا امرنا ايضاً ان نقول عند دخول المنزل «اللهم انا نسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا».
*ر38ر*} {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } وعرش بلقيس في اليمن وسليمان عليه السلام في بيت المقدس في فلسطين.
ومن ذلك ما قصه الله عنهم في سورة الجن عند قوله تعالى {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً )وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً }، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان الجن يستمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشراً فيكون ما سمعوا حقاً وما زادوا باطلاً وكانت النجوم لايرمى بها قبل ذلك، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان احدهم لا يأتي مقعده الا رمي بشهاب يحرق ما اصاب..» الحديث رواه الترمذي والنسائي.
ولقد اعطى الله الجن من القدرة على جوب الارض في وقت قياسي لا يتحقق مثله للإنس.
** لكن هل من الممكن ان يتلبس الجني بالانسي بان يدخل فيه ويصرعه، وهل ما نسمعه عن كثير من الرقين في هذا الشأن صحيحاً؟
الناس في هذا الامر على طرفي نقيض بين افراط وتفريط، والحق ان تلبس الجن بالانس ثابت شرعاً ممكن عقلاً الا ان هناك حالات من الصرع سببها اختلال في وظائف الاجهزة العصبية اما من اصل الخلقة او بسبب عارض وهذا امر معروف غير منكور واسبابه تظهر في التشخيصات الطبية، الا انه من غير المستساغ عزو كل حالات الصرع الى هذا الامر لان ما عرفت اسبابه لا يتجاوز 20% من حالات الصرع، وحينئذ فإلحاق ما لم تعرف اسبابه بما عرفت اسبابه بلا دليل غير مقبول ولا معقول، كيف وقد ورد في الشرع مايثبت صرع الجن للانس ومن ذلك قوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، أي من الجنون ولهذا يقال للانسان ممسوس اي اصابة الجن؟
** ولكن هناك من ينكر ذلك ويقول بان المقصود بالمس في الآية ليس دخول الجني جسد الانسي؟
اولاً: ليس العبرة بالتكذيب فقد كذب فيما هو اوضح من ذلك.
ثانياً: عقيدة اهل السنة و الجماعة على امكانية دخول الجني جسد الانسي ولم يخالفهم في ذلك الا طائفة من المعتزلة ومن اتبع طريقهم في التأويل، واذا راجعنا ما قاله المفسرون المعتبرون وجدنا انهم يفسرون المس بدخول الجني في الانس وان الآية رد على من ينكر ذلك، وليراجع من شاء تفاسير القرطبي وابن كثير والبغوي والشوكاني والقنوجي وابن عاشور وغيرهم، وليرجع الى فتاوى شيخ الاسلام ابن تيميه فقد قال رحمه الله : «بأنه ليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره ومن انكر ذلك وادعى ان الشرع يكذّب ذلك فقد كذب على الشرع»، ولقد سأل عبدالله اباه الامام احمد بن حنبل رحمهما الله عن قوم يقولون بعدم دخول الجن في بدن الانس قال «يابني يكذبون».. وليراجع من شاء ما قاله الامام ابو الحسن الاشعري في مقالات اهل السنة والجماعة وابن القيم في زاد المعاد وابن حجر في فتح الباري والشبلي في غرائب وعجائب الجن، والامام عبدالعزيز بن باز في فتاويه والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعاً، بل ان كثيراً من الاطباء من المسلمين وغيرهم يثبتون ذلك.
ثالثاً: لا يجوز لنا ان نصرف اللفظ عن ظاهره الا بقرينه فأين القرينة الصارفة لما استدل به السلف من هذه الآية على صرع الجن للإنس.
** يمكن ان تكون آية الاعراف {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} قرينة لما يزعمون؟
لفظة «طائف» «قرئت» «طيف» وهاتان قراءتان مشهورتان من القراءات السبع، وقد فُسَّر هذا الطائف بالغضب كما فسّر بصرع الجن للإنس، وفسر بالنزغ والوسوسة، وعلى كل فالدلالة على هذه التفسيرات آتية من لفظة طائف وليست من لفظة «مسهم» لأن معنى مسهم: اصابهم، فمعنى الآية: إذا اصابهم طائف او طيف من الشيطان، واصابة الشيطان للانسان ليست مقتصرة على الوسوسة وانما الوسوسة واحدة من اصابات الجن للإنس كما سيأتي، بل ان لفظ «لمس» او «لامس» التي تعني في حقيقتها اللغوية ملامسة البشرة للبشرة جاءت لمعنى اعمق من مجرد ذلك في حقيقتها الشرعية كما في قوله تعالى {أّوً لامّسًتٍمٍ پنٌَسّاءّ} وفي قراءة سبعية «او لمستم» فان معناها على الراجح من اقوال اهل العلم كما بين ذلك سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ان المقصود به الجماع ولا ريب ان ذلك مع اشتماله على اللمس الا ان فيه قدراً زائداً عليه.
* وقوله تعالى على لسان الشيطان نفسه {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } *إبراهيم: 22*
هاتان الآيتان خارجتان عن محل النزاع لأن السلطان المنفي فيهما نفي الايقاع في المعصية اي ان الشيطان لا يملك حجة عليهم في اغوائهم واضلالهم فما ضل من ضل الا بتكبره او جهله او تقليده وليس للشيطان دور الا التزيين والتلبيس، وهذا منفي عن المؤمنين لحفظ الله لهم، واما تلبس الجن بالإنس فثابت بالقرآن الكريم وبالنص الصريح في السنة النبوية الصحيحة.
** مثل ماذا؟
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم «ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» اخرجه البخاري ومسلم في قصة ام المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، ولا يضعف دلالته على ما اقول كون سياقه في الوسوسة، اذ لا تناقض ولا تعارض في دلالته على المعنيين بل كون الشيطان في مجاري الدم ابلغ في الدلالة على عظيم خطره وشدة تأثيره ووسوسته فالذي يوسوس من الداخل عن قرب اشد من الذي يوسوس من الخارج بعيداً.
2- حديث عثمان بن ابي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيئاً في صلاتي حتى ما ادري ما اصلي، فلما رأيت ذلك رحلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ابن ابي العاص» قلت نعم يا رسول الله قال: ما جاء بك قلت: يارسول الله عرض لي شيء في صلاتي قال: «ذاك الشيطان، ادنه» قال فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله من صدره ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال: الحق بعملك فقال عثمان: فلعمري ما احسبه خالطني بعد، رواه بن ماجه، وقد صحح الشيخ الالباني رحمه الله هذا الحديث واورد طرقه كما في السلسلة الصحيحة، فلو لم يكن الشيطان داخل صدره حقيقة لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم «اخرج عدو الله من صدره» معنى على ان لعثمان بن ابي العاص قصة اخرى مع الشيطان في صلاته وفيها ان النبي صلى الله عليه وسلم «ذاك شيطان يقاله له خترب».. الحديث اخرجه مسلم ولا تعارض بين الحديثين اذ ان قصتيهما مختلفتان.
3- قصة المرأة التي عرضت ابنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريق سفر فقالت يارسول الله هذا صبي اصابه بلاء واصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما ادري كم مرة قال «ناولنيه» يعني يعلى بن مره راوي القصة فرفعته اليه، فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثاً وقال «باسم الله انا عبدالله اخرج عدو الله» وفي رواية «اخسأ عدو الله» ثم امرها ان توافيه بالصبي عند رجعته من سفره، فأتت به فسألها عنه فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة.. الخ والحديث في السلسلة الصحيحة للشيخ الالباني حيث جوده رحمه الله بما له من متابعات وشواهد.
4- الحديث الذي رواه مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اذا تثاءب احدكم فليمسك بيده على فيه فان الشيطان يدخل»، وهذا دليل لا يرتاب في صحته الا صاحب هوى، وصريح في دلالته على دخول الجني جسد الانسي فلو لم يكن الدخول حسياً لما امر صلى الله عليه وسلم المتثائب ان يضع يده على فيه ثم علل ذلك بان الشيطان يدخل.
5- حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صحيح البخاري «اكفئوا صبيانكم عند المساء فان للجن انتشاراً وخطفة»، فلو لم يكن للجن سلطان غير الوسوسة لما كان لهذا الحديث معنى اذ ان الوسوسة لاتقتصر على المساء وانما هي في كل زمان ومكان، وبعد: فلو لم ترد هذه الادلة الواضحة الدلالة لكان للعقل فسحة في قبول امكانية تلبس الجني بالانسي لعدم وجود ما يمنع ذلك. فالجن ليس اول مخلوق يدخل جسم الانسان ويؤثر فيه فهذه الجراثيم والميكروبات على ضآلتها ودقتها تدخل جسم الانسان وتفعل به الافاعيل وتفتك به من داخله ولم ينكر ذلك احد وهذا الدواء والغذاء والديدان التي يصل طول بعضها الى اكثر من عشرة امتار وغيرها فلماذا يكون الانكار خاصاً بتلبس الجن بالانس، هل لأن العقل لا يدرك حقيقة ذلك.
ولهذا فنحن نؤمن بحقيقة الجن ووجودهم الا اننا لانعرف حقيقتهم واشكالهم وهيئاتهم وما وراء ذلك الا بالوحي فاذا لم يكن جهلنا بذلك مانعاً من الايمان بوجودهم فعدم معرفتنا بكيفية التلبس بالانسي اولى بان لا يمنع من التصديق بها فكيف اذا جاء الاثبات من الشرع بذلك، ونحن نؤمن مثلاً بالكهرباء والهواء ولا نراهما وانما نرى اثرهما وكذلك الجن وتلبسه بالانس .
ولهذا فان على العقل ان يتلقى ما يأتي به الشرع بالقبول والاذعان وميدانه فيه الفهم والاستنباط، لا المحاكمة والاعتراض لأن هذا فعل الزنادقة، يقول ألكسيس كاريل: هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية مازالت غير معروفة.. فهل ننكر الروح، ونكذب بالعقل لجهلنا بوجوه نشاطها.
** يقال بأن الجن ربما قتلوا فهل من دليل على ذلك؟
نعم فعن ابي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الخندق قال: ومنا فتى حديث عهد بعرس فكان يستأذن بانصاف النهار ليطلع على اهله فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ سلاحك فأني اخشى عليك بني قريظة، فاخذ الرجل سلاحه، ثم ذهب، فاذا امرأته قائمة بين البابين، فهيأ لها الرمح ليطعنها به، واصابته غيرة، فقالت «اكفف عليك رمحك حتى ترى مافي بيتك، فدخل فاذا هو بحية منطوية على فراشه فركز بها رمحه فانتظمها فيه ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى صريعاً فما ندري ايهما كان اسرع موتاً الفتى ام الحية، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا: يا رسول الله، ادع الله ان يحييه، فقال «استغفروا لصاحبكم»، ثم قال «ان بالمدينة جناً قد اسلموا، فاذا رأيتم منها شيئاً فآذنوه ثلاثة ايام فان بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان» رواه مسلم.
** معنى ذلك ان ما يحصل عند الراقين من احوال في المرضى بسبب الجن؟
هذا ليس على اطلاقه بل لا اخفيك القول بان كثيراً مما يحصل من صياح وهياج وضرب للنفس ليس له علاقة لا بالجن ولا بالسحر، وان كثيراً منها لا يخلو من الوهم واحياناً التمثيل او الخوف والهلع، وهناك قصة لطيفة ذكرها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ان شيخاً اصيب بألم في بطنه فتوهم ان فيه ثعباناً يتحرك ويؤذيه فتضاحك منه الاطباء وسخر منه جلساؤه وزاد بلاؤه، حتى سخر الله له طبيباً حاذقاً جاراه في وهمه، وأحضر له ثعباناً وهيأ له مكاناً للتخلي ووضع الثعبان فيه وسقاه مادة مسهلة استطلق معها بطنه بقوة فلما رأى الثعبان ظن انه خرج من بطنة حقيقة فارتاح وزالت مشكلته ولم يكن يعلم بحيلة الطبيب وهذا امر مشاهد حتى عند الاطباء.
** وماذا عن حل السحر؟
السحر تبطله الرقية الصحيحة مع قوة الايمان والعزيمة والثقة بالله تعالى، وهذا كاف ان شاء الله.
** اليس من المفيد البحث عنه واخراجه؟
اذا وجد السحر وكان حقيقياً فان كان عقداً فلتحل وان كانت غير ذلك فلتحرق او تدفن مع القراءة على المصاب بالمعوذتين والفاتحة ونحوها، واما ما يفعله كثير من الناس من تكسير الجدران والبلاد ونبش القبور والبحث في الكهوف فهذا امر غريب فيه جهالات، فان النبي صلى الله عليه وسلم سحر وعرف مكان السحر فرقاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين، وامر بدفن القليب التي فيها السحر ولم يأذن باخراجه.. وقد استسلم الناس للاوهام والاحلام الخادعة واخبار الجن فاخرجوا لنا عظاما بالية ولفائف غريبة لا تدرى حقيقتها ولا يُعْلم صدقها على انها سحر وربما كانت من عشرات السنين او مئاتها ولا يبعد ان لا تكون لها علاقة بالسحر اصلاً فليس مجرد وجود عقد او لفائف شعر ونحوهما تدفعنا للقول بانها سحر.
** وماذا عما يوجد لدى العمالة المنزلية؟
ليس كل ما وجد معهم سحر يقصد به اهل المنزل، وانما اغلبها حجب وتمائم يعتقدون فيها دفع الضر وجلب النفع وفق عقيدتهم، ولذلك يحتاج الامر الى التعامل معها برفق ولين، وتوعية عن طريق احضار الكتيبات المترجمة في العقيدة والاحكام، ثم يبين لهم ان هذه الاحجبة والتمائم لا تنفع بل تضر، وبعض الناس يتعامل معها بعنف وتعجل فيقاوم العامل او العاملة لأنه يرى انك تدخلت فيه عقيدته وعرضته للخطر بزعمه، وكثير مما يقع من العمالة راجع الى ظلمهم او استغلالهم في غير ما استقدموا له او للاهمال والسذاجة، فلا بد من العدل والرفق والرحمة مع الحزم وعدم الثقة المفرطة، وبالمناسبة: استغل كثير من الخبثاء شدة الخوف من السحر والسحرة فاخذوا يلعبون على الناس بالتهديد باصابتهم بالسحر او ادعاء القدرة على فكه من اجل اخذ الاموال، وكم بذلت اموال لاناس يزعمون قدرتهم على فك السحر واخراج الجن وهم كذابون دجالون ليسوا من الراقين ولا حتى من السحرة وبعض الناس تستطيع ان تأخذ منه ماتريد بمجرد كلمات تدغدغ بها عواطفه وتجاري بها رغباته وربما استقدموهم من الخارج وقدموا لهم التذاكر وهيأوا لهم السكن الفاخر وبذلوا لهم الاموال الطائلة والنتيجة ضياع دين وذهاب مال وتردي حال.
** هل هناك ممارسات خاطئة من المرضى حال الرقية؟
للاسف كثير من المرضى يظن ان الراقي قادر على جلب العافية له بذاته ولذلك تراه في واد والراقي في واد آخر، فمنهم من يشتغل حال الرقية بقراءة جريدة او مجلة ومنهم من يشتغل بالهاتف ومنهم من يسرح بافكاره فلا يحركون قلوبهم بالقرآن ولا يستشعرون انهم في موقف الفقير الذي يستجدي ربه ويتضرع اليه، تمر عليهم الايات فلا تحرك فيهم ساكناً ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصلون عليه، وترفع الاكف تضرعاً فلا يؤمنون على الدعاء ومثل هؤلاء قل ان ينتفعوا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved