إن فتنة التكفير فتنة خطيرة جداً، يكمن خطرها بآثارها الخطيرة، وبنتائجها السيئة، وعواقبها الوخيمة. فعندما نخرج المسلم - والعياذ بالله - من دائرة الإسلام يعني أننا نعامله كما نعامل غيره من الكفار، فلا يجوز لنا أن نبقيه مع زوجته؛ لأنه كافر، والله تعالى يقول: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}. ولا نسمح له بأن يكون ولياً على أولاده؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}. ولا نعطيه حق الموالاة والنصرة في البلد المسلم؛ لأنه خرج من دائرة الإسلام.. ولا بد أن نوقفه أمام القضاء ليستتاب، فإن تاب وإلا قتل.. وإذا مات لا نغسله ولا نصلي عليه ولا ندفنه في مقابر المسلمين ولا ندعو له بالمغفرة والرحمة؛ لأن الله تعالى يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
ومن الآثار الخطيرة جداً والمترتبة على فتنة التكفير أن الشخص المُكَفَّر إذا كان حاكماً فإنه يجعل أهل الغلو يسوغون لأنفسهم الخروج على هذا الحاكم، فهم أمام أمرين: إما أنهم يخرجون عليه مباشرة إذا كان عندهم قوة ومنعة، وإذا لم يكن عندهم قوة ومنعة فإنهم يسلكون مسلكاً آخر، هو الانزواء في مكان معين والتجمع فيه حتى تحصل لهم القوة ثم يخرجون (كما هو الحاصل الآن).. وهذا منشؤه من الخوارج الحرورية أصلاً عندما كفَّروا علياً، ماذا صنعوا؟ انزووا وحدهم وحرصوا على تجميع الناس، وقالوا: (مَن لم يهاجر إلينا فهو ضال)، وبعضهم قال: (مَن لم يهاجر إلينا فهو كافر).
روى ابن أبي عاصم في السنة (أن غلاماً لعبدالله بن أبي أوفى اسمه (فيروز) تأثر بمذهب الخوارج فذهب إليهم - أبق من سيده وذهب إليهم - فأصبح عبدالله رضي الله عنه يسأل عنه ويبحث عنه، فذهب إليه رجل فقال: إن ابن أبي أوفى يناديك، فقال فيروز: نعم الرجل عبدالله لو أنه هاجر).
تأمل أخي القارئ الكريم! كانوا يوجبون الهجرة إليهم، يقولون: (الناس كفروا لا بد أن تهاجروا إلينا)، مثل حالهم اليوم يقولون: (لا توجد دولة إسلامية)، ولا يرون أن هناك دولة إسلامية على وجه الأرض، (فيجب الهجرة إلينا هناك من أجل الجهاد). الله أكبر ما أشبه الليلة بالبارحة! {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، فهم يوجبون الهجرة إليهم من أجل اكتمال القوة والخروج على الحاكم المسلم.
كفى الله المسلمين شرَّهم، وشتت شملهم، وأعان ولاة أمرنا على القضاء عليهم.
حائل |