التصرف الخاطئ لا شك مبني على فهم خاطئ، والفهم الخاطئ مبني على معلومة خاطئة في الغالب، ولو تفكر الواحد منا في أي تصرف خاطئ يراه أو يرتبكه لوجد صحة ذلك، وأشد الأخطاء ما يتعلق بدين المرء وتعاملاته مع الناس ومن ذلك الخطأ فهم البعض أن اهتداءك الى الحق لا يضر معه عصيان العصاة، أي بمجرد أن تهتدي في نفسك فلا داعي أن تسعى لهداية غيرك!
هكذا يظن البعض، وهذا لا شك فهم خاطئ جداً، برواجه - لا قدر - يغيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن واقع المسلمين وحياة الأمة وتكون الحال كحال بني إسرائيل الذين {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} فتفقد خيريتها - لا قدر الله - فترك العاصي على معصيته والمخطئ على خطئه وهجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من الهداية، فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إنه قال: (إذا أمرتم ونهيتم) كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال: (إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر لا يضرك من ضل إذا اهتديت)، ويقول الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره الآية: (ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا، فلا دلالة فيها إذاً على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ويقول الإمام النووي: وأما قول الله عز وجل: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فمعناه: أنكم إذا فعلتم ما كُلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم.
إذا كان كذلك، فمما كُلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك عليه لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول. والله أعلم.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد: (والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال).
إضافة الى ذلك بين بعض العلماء ان قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} في بداية الآية نفسها يدل على وجوب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمر الله تعالى المؤمنين بأن يهتموا بأنفسهم، ومن الاهتمام بالأنفس القيام بأداء الواجبات، ومن الواجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا يقول عبد الله بن المبارك: (هذه الآية آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن معنى {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغبه في الخيرات وينزه عن القبائح والسيئات).
|