التصعيد سيد الموقف في العراق

اشتعلت جميع جبهات العراق بشكل جنوني ليقتل 150 شخصاً في أقل من 24 ساعة جلهم من المواطنين العراقيين وبعض الأمريكيين، لكن معظم القتلى برصاص الأمريكيين، ففي الفلوجة ترتكب مذابح فظيعة بحق السكان المدنيين تحت عنوان ملاحقة الإرهاب، والأمر يتكرر بشكل مريع في هذه المدينة، حيث تبدو الطائرات الأمريكية وكأنها في ميدان معركة، وعندما تهدأ نيران القصف نرى جثثا لأطفال ونساء تخرج من تلك المنازل التي جرى قصفها والتي يقول الأمريكيون إن الإرهابيين يختبئون داخلها..
وتدفع المواجهات الجديدة الأوضاع باتجاه التصعيد، وليس من شأن التصعيد سوى التمهيد لما هو أفظع وأدهى، ومن الواضح أن الأوضاع الأمريكية في العراق انتقلت إلى ما يشبه التحدى الذي ينطوي على رغبة في الوصول بالأمور إلى نهايتها القصوى.. الأمر الذي قد يعني تعمد كل طرف إنهاك الآخر وصولا إلى ما يشبه الاستئصال، وإلا فإننا لا نرى ما يفيد بالتهدئة، وليس هناك جهود سياسية تذكر إلا المواعيد الخاصة بالانتخابات والأوضاع الدستورية..
ولعل إقرار الرئيس الأمريكي قبل أيام أنه لم يكن يتصور أن يحدث ما يحدث الآن بعد تاريخ التاسع من أبريل وهو اليوم الذي دخلت فيه القوات الأمريكية بغداد، يعكس جانبا من الأزمة أو المأزق القائم.
الواضح أيضا أن لا مؤشرات على خروج أمريكي في المستقبل القريب، وذلك على الرغم من أن جل المواجهات الحالية تأتي بسبب وجود القوات الأجنبية ومعظمها هي الأمريكية.
الوضع الحالي يمكن القول إنه يعكس نوعا من التحدي الذي ينطوي على رغبات متنامية في الانتقام من قبل الأمريكيين ومن يتصدون لوجودهم، فما يحدث لا يمكن إدراجه سوى في خانة اللامعقول بل هو الجنون بعينه، خصوصا في ظل الافتقار إلى عمل سياسي واع يخاطب هذا اللامعقول بما يمكن أن يعيده إلى خانة الصواب والتعقل.. فهناك جيش نظامي، هو جيش القوة العظمى الوحيدة في العالم، وهو لن يقبل بالهزيمة حتى وإن احتوت قائمة قتلاه على ألف قتيل، وهذا ما تقوله الإحصاءات الرسمية الأمريكية، وهناك من الجانب الآخر قوى شعبية مقاتلة تسمى المقاومة وهي تنظر إلى الأمريكيين كجيش احتلال ينبغي التصدي له، على الرغم من أن التسمية الرسمية لهذه القوات تقول إنها قوات متعددة الجنسيات.. ووفقا لهذه الصيغة فإن الأمر يحتاج إلى ما يشبه المعجزة للخروج من هذه الأزمة.