يلومني بعض القراء على الاختفاء المفاجئ لزاويتي في إجازتها السنوية ، وبعضهم يرى أن اختفاء الزاوية المفاجئ يفتقد للياقة واللباقة ، فالقراء الذين كنت أتشارك وإياهم حديثاً طويلاً على مدار العام (سواء حديثاً ودياً اوعاصفاً) ، لا يبيحون لي أن أغادر المجلس دون تلويحات الوداع ودون الاستئذان ودون إشارة أخيرة أذيل بها الزاوية عن كونها ستدخل كهفها المعتم لالتقاط الأنفاس .. بل إن أحد القراء قال بأن هذا يفتقد شروط المهنية.
وقد يكون للبعض جزء من الحق حول هذا الموضوع ، فنوعية العلاقة التي تنشأ بين كاتب الزاوية ومتابعيه تتطلب نوعاً من الالتزام والانضباط.
ولكن لعل لي عذراً بكوني أحاول طوال العام في زاويتي هذه أن ابتعد عن الشخصي والخاص ، عندها لا يهم القارئ ما يحدث خلاف ذلك ، وليس من الواجب أن أشارك القارئ بأنني أتمتع بإجازتي السنوية ، التي سأقضيها بين ربوع كذا وكذا ، وأن على القراء أن ينتظروا ويترقبوا بحرقة ولهفة وذرف الدموع عودة زاويتي ، التي هي مشعل سيضيء أدمغتهم ، وهي الترياق الذي سيجعلهم يكملون مسيرتهم ؟؟؟!!!! بعد أن بات عندي شبه يقين بأن البعض حينما يرون أسماءهم تنشر في الصحف ولمدد طويلة ، (بعيداً عن فحوى ما يصدرون أو قيمته طوال هذه المدد) ، يصابون بنوع غريب من البرانويا والنرجسية الطاوسيية, التي تجعلهم يصدقون بأنهم بشر خارقون واستثنائيون ، وأن القراء ينتظرون كل صباح بفائق اللهفة زواياهم عند مراكز التوزيع ، بل إن البعض منهم أصبح يخترع كذبته ويصدقها ، فبات يتخيل أن هناك جماهير حاشدة تنتظر إطلالته وصار ينعتها .. بجمهوري ..؟؟
أختار دوماً هذا الانسحاب الصامت ، لأنني على قناعة تامة بأن غياب زاوية لكاتب في جريدة يومية لا يندرج بصلة تحت مآسي العالم ، وهو ليس إحدى الطامات الكبرى التي ستحدق بالمجتمع .. فقط سيختفي أحد الثرثارين الذين يبيعون الناس زخرف الكلام وقطعان الغيوم .. سيختفي وستخف حدة التلوث اللغوي والفكري الذي يحاصرنا عبر الصحف .. في أمة مصابة بوباء الثرثرة وجرثومة الكلام.
|