قد تكون هذه الظاهرة مألوفة في سياسة الجامعات في توجيه المعيدات (والمعيدين كذلك) الجُدد فيها عمليًّا، وقد لا تكون، إلا أن الذي لفتني للأمر في تجربة جامعة الإمام هو المبادرة بذلك فور صدور قرار التعيين بداية الإجازة الصيفية، والاستمرار على هذا النهج، مما أعطى للعمل مفهوما جديدا، وللمسئولية فيه عمقا واعيا ومُخيفا أيضا.
كانت وكيلة شئون الطالبات بمركز دراسة الطالبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالملز الدكتورة : الجوهرة العُمراني -حفظها الله تعالى- مُتسلِّمةً لمسئولية ذلك، وبادرت بعقد اجتماعَين مُتتالِيَين للمعيدات بتعاون بعض أستاذات الإرشاد، والنشاط، وشئون الموظَّفات -جزاهنّ الله خيرا- مع استمرار تلقّيها للاستفسارات وطلب الشروحات التي قد تتكرر أحيانا بعدد المُعيَّنات حديثا!
وليس الحديث عن هذه التجربة دعاية للجامعة أو غيرها مما قد يُعاجِل البعض بحصر المقال في أسره، وإنما هو -كما أظنّه- ضَرْبُ مَثَلٍ لسياسةٍ تعليمية ناجحة، لو أُدرِجتْ لها برمجة مُتكاملة وعُمِّمتْ، ستحلّ -بإذن الله تعالى وتوفيقه- كثيرا من المشكلات التي نُعانيها في طاقم التدريس، سواء في الجامعات والكليات والمعاهد، أو في المدارس بمراحلها المختلفة، وما أكثر ما قرأنا من المقالات التي تشكو فيها بعض المعلِّمات الجديدات وغير الجديدات هُموم الدّوام، والعمل، والتعامل مع الإدارة، والزميلات، والطالبات، مما يؤكّد للقارئ أنهنّ لو كُنّ حظِينَ بشيءٍ من الإرشاد الوظيفيّ لَما عانَين مجرّد بَثِّ شكوى ذلك، تلك الشكوى التي بات أغلبُنا يُدمنها لذاتها، وليس لأجل إيجاد الحلول والبدائل الصالحة والمُجدِية.
واختصارا للتجربة، وتركيزا على محتواها العملي، ستتم بلورتها في نقاط قد يراها خُبراء العملية التعليمية مُبدَّدة، ومُتقطعة، وذلك يعود لكون كاتبة المقال جديدة على هذا العالَم.
ومن أبرز الخطوات الآتي:
1-تمكين المعيدات الجديدات من مباشرة العمل في أسبوع صدور قرار التعيين نفسه، وتسهيل ما يتعلق بذلك من إتمام الإجراءات سواء في قسم دراسة الطلاب في حي الفلاح على طريق المطار أو في قسم دراسة الطالبات بالملز، في قسم دراسة الطلاب، حيث المدينة الجامعية الأساسية واستلام نماذج طلبات التوظيف، والكشوف الطبية، وخطاب التوجيه للمباشرة، وقد قام موظّفو (شئون الموظّفين)
بخدمات أخالها رائدة في الاتصال المباشر بالمُعيَّنات، وفي استقبال وتسليم الأوراق لأولياء أمورهنّ أو مرافقيهنّ عند بوابة الجامعة الأساسية مع إكمال التسهيلات بمرافقتهم إلى مقر الوحدة الطبية النسائي بالمدينة الجامعية وإخراجهم منها، حماية من ضياع الوقت والارتباك والقلق لمن لا يعرفون طُرقات الجامعة.
وكذلك الأمر في مركز دراسة الطالبات من قِبَل موظّفات (شئون الموظّفات) بالملزّ، بالإضافة إلى التهنئة والدعاء بالتوفيق لأداء الأمانة، وصيانة النعمة.
وما دام الإنسان محمولا على أكُفِّ الراحة، فلم يعُد له إذْنٌ بأن يَكترب، أو يُهمل، أو يتثاقل عن المسئولية، أو يندرج في قافلة الشَّكَّائين والشَّكَّاءات، فقد قامت جهة التوظيف بواجباتها على أتمِّها، وأبوابها لا زالت مفتوحة، وكلّ حصيف يعرف طُرق ردِّ الجميل، وإكرام المُحسنين من خلال إكرام النفس بأداء واجباتها كاملة وبرضا.
2- تكثير عدد المُعيَّنات بما يبدو أنه عَدَلَ بين أقسام الكليات في إمدادها بحاجتها، وهذا يُشجّع الجيل القادم من الدَّارِسات بأنهن سينلنَ نصيبهن كذلك -بإذن الله تعالى-.
3-إيجاد مرجعية واحدة وشاملة للإرشاد الوظيفي (د. الجوهرة العُمراني)، توفّر للمُعيَّنات حاجاتهن في معرفة نظام العمل، وحدود المسئولية، وغيره مما هو لهُنّ، وما هو عليهِنّ.
4-عقد الاجتماعات التي تُغطِّي أنظمة التوظيف والعمل، والتدريس، والأنشطة المُوجّهة للطالبات، حيث تتلقَّينَ الأساسيات من مسئولاتها المباشِرات.
5- تأصيل مفهوم التّعيين، والعمل في التدريس الجامعي، فهما نعمة، والنعمة لا تخلو من أن تكونَ اختبارا وتمحيصا، وهذا الاختبار لن يخلو مما قد تُسميه بعض المُنخرطات في هذا السِّلك 'مُنغِّصات'، وهذه المنغّصات لا وسيلة للتعامل معها سوى التساهل، والإهمال، والسطحية، ومُخالَفة الأنظمة، أو العُنف مع الطالبات.
وهذا المصطلح، والمفهوم، ووسيلة المُعالجة خاطئة جميعها، وليست سوى عقوقٍ للنعمة.
إن التعيين -في حد ذاته- تشريف لطالبة العلم، وهذا التشريف مبنيٌّ على سموّ وثِقل المسئولية التي تتحمّلها وتحملها، وليس على وجاهة الرتبة الاجتماعية أو غيرها مما يحرم كثيراتٍ من بركة ذلك في دنياهن وآخرتهن.
وإذا أصبحت المُعيَّنة تحمل اسم الجامعة التي عُيِّنت فيها، فهي لا تعمل في حدود ذلك فقط، وإنما هي تحمل اسم وطن كامل، اسمه (بلاد الحرمين)، يدسّ له الأعداء المكائد يمنةً ويسرة، والتعليم أحد أهداف نِبالهم، وطالباتنا الصغيرات إحدى الفئات التي يسعون إلى تضييعها وإضعاف هِمّة الإسلام وطلب العلم فيها، فهُنّ أمانتنا بما استطعنا، وسنستطيع ما عقدنا العزم الصادقَ بخطاه العملية الواعية - إن شاء الله تعالى-.
6-ضَمّ المُعيَّنات إلى العمل في لجان النشاط والتوعية والإرشاد الأكاديمي التي تُركّز في جُهد غير قليل منها على احتواء طالبات البكالوريوس المستجدات، لكي ينجحنَ في إتمام مسيرتهنّ العلمية في هذه المرحلة التي ستُخرِّجهن إلى الإمساك بزمام التدريس للأجيال القادمة وإدارة بعض الشئون الأساسية في البلاد .
وبالطبع ليس هناك إغفال للطالبات المستمرات في دراستهن، ولا لطالبات الماجستير والدكتوراه، فالكل في دائرة الاهتمام والمتابعة.
إن هذا يُعمِّق الإحساس بالمسئولية، وبمراقبة الله تعالى في كل كلمة وحركة وتوجيه، لأن الإنسان مسئول عن ذلك دون إغفال شيء من صنيعه في هذه الحياة القصيرة، كما أنه يضمن شغل أوقات فراغ المعيدات بما يُفيدهن ويُفيد طالباتهن، ويكشف عن بعض مواهب دفينة لديهن، وكذلك يُشجعهن على البذل الأكبر والحماسة في عطائهن في التدريس وفي أبحاثهن للماجستير أو الدكتوراه التي يَشتغلن عليها، وكذلك في دراسة الفصول التحضيرية لمن لم يبدأن مشوار الدراسات العليا بعد، فقد بِتْنَ في دائرة القدوة، والطالبات منهنّ مَن تقتدي بالصواب وبالخطأ، ولا يعدو الأمر عندهن أمر التقليد دون وعي أبعاد ذلك في تشكيل الشخصية.
ولعل من نتائج ذلك إيجاد علاقات عملية ودودة، ومُوحَّدة الأهداف بين أفراد طاقم التدريس، جديدِه وسابِقِه، بما يضمن الاستمرار والتطوير والاستقرار النفسي والعملي للمُدرِّسات وللدَّارِسات.
7- تنمية مهارات النجاح وتحمُّل المسئولية من خلال التوجيهات التي هي خلاصة الخبرات العملية السابقة التي أهدتها الأستاذات اللاتي تَشارَكن تلك الاجتماعات والتوجيهات بما يدفع إلى تجديد منهجية الحياة وأهدافها.
بالإضافة إلى تفعيل تنمية روح الحوار والتعليق البنّاء المُتبادَل دون أيّ حجْرٍ أو إهمال.
وهذا يُفرح الجميع، لأن الحياة الصحّية هي التي تتمتّع بذلك، فلا تتكلّمْ بلا هدف، ولا تَهدِفْ إلى ما ليس مُنتِجا، ولا تُنتِج ما ليس مُطوِّرا، ولا تُطوِّر ما ليس خيرا.
هذه التنمية تُشكِّل جدار أمانٍ ضدّ مَن يَسعينَ إلى نشر الخبرات العملية الفاشلة والمُحبَطة، لكي ينضمّ إلى فلولهن مزيدُ عدد، ومزيدُ خلل في العملية التعليمية.
8-ربط العمل الجامعي بما يحدث من متغيِّرات الحياة الداخلية والخارجية، فليس مُنعزِلاً عنها، وليس خالي المسئولية من الإسهام في التصدي لأي مشاريع من مشاريع الإفساد والإرهاب والفراغ التي باتت تجتاح العالم جميعا بطُرق خفية ومتعددة ومتجددة، فالتدريس الجامعي عضو في شبكة فاعلة من المؤسسات الاجتماعية التي تعضد وحدة الدين والوطن والأمة الإسلامية. هذه النقاط من أبرز ما يمكن استحضاره في هذا المقال، والخبير في العملية التعليمية التربوية يمكنه أن يستدرك ما فات، أو يُعدِّل ما يحتاج لتعديل، لكي يقوم بصياغة برنامج إرشادي للموظفين والموظفات الجدد في السلك التعليمي بمختلف مراحله وأنواعه، لأن النجاح في قيادة المُدرِّسين والمُدرِّسات يعني النجاح في قيادتهم للطلاّب والطالبات، وبالتالي يعني الحصول على منهجية وطاقم علمي ناجح، لا سيما في المجالات النسائية التي ما زالت بحاجة لكثير من العناية والتطوير.
(*) معيدة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|