يتردد على أسماعنا دائماً في المكاتب وغيرها كلمة (المصلحة العامة)، فالموظف عندما يؤدي عمله بالدقة والأمانة مع بذل جهود إضافية يقال عنه إن فلانا يحترم المصلحة العامة، وبخلاف ذلك فإن الموظف الذي يتعمد التقصير بواجباته يقال عنه إنه يضر بالمصلحة العامة، والمواطن خارج الإطار الوظيفي الذي يحاول مساعدة الناس والتسهيل عليهم يقال إنه يخدم المصلحة العامة.
فما هي المصلحة العامة، وهل هي أمر محسوس وواضح، وهل خدمة المصلحة العامة أمر واجب على الجميع، أم أنه واجب على البعض دون البعض الآخر؟وما يمكن قوله حول ذلك أن للمصلحة العامة على المستوى العام مفهوما واسعا يدركه كل شخص حسب طبيعة نشاطه وتوجهاته وما يوحي به ضميره، إلا أن هذا المفهوم قد يتصف بالغموض وعدم التحديد بالنسبة للآخرين البعيدين عنه.. أما تحديد مفهوم المصلحة العامة على المستوى الوظيفي أو الإداري فإنه أيسر وأسهل؛ وذلك لكون العمل الإداري مرتبطا بالدولة، والدولة مسؤولة عن الوطن الذي تُعتبر خدمته والمحافظة عليه هي لب المصلحة العامة، فالمصلحة العامة هي الغاية والهدف من العمل الإداري؛ لكون هدف العمل الإداري هو تقديم الخدمة للناس وللوطن، فالإدارة عندما تمارس نشاطها يجب أن تضع في اعتبارها تحقيق الاهداف التي من أجلها أنشئت بالأمانة والدقة والإخلاص، وذلك لاختلاف المصالح وتباينها بين الدول؛ ذلك أن غاية الناس من تكوين المجتمعات هو تمتعهم بالحياة والحرية، وأن يعيشوا في أمن وسلام، وبما يحقق الهدف الاساسي وهو الإخلاص لله بالعبادة والتي تؤدي إلى الحرية من تسلط الآخرين، كما أنه ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (يولد الناس أحراراً ويظلون أحراراً متساوين في الحقوق).
أما في الشريعة الإسلامية فإن المصلحة العامة أكثر وضوحاً وتحديداً، وهي حفظ مصالح الناس التي تتمثل في الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وقد اشترط لكي تكون مصلحة عامة ما يلي:
- أن تكون مصلحة حقيقية وليست خيالية، وذلك للتأكد من وجود الضرر الذي يجب إزالته أو المنفعة التي يجب الوصول إليها.
- أن تتصف بالعمومية بحيث تشمل كافة الناس، وليست مصلحة شخصية.
- ألا تتعارض مع الحكم الشرعي أو الإجماع أو مع مصلحة عامة أخرى مقررة بأدلة أقوى.
فالمصلحة العامة إذن هدف رئيسي يجب أن يحرص عليها كل موظف بل كل مواطن، وأن الوصول إلى هذا الهدف أمر يعتمد بدرجة اساسية على موقف الموظف وضميره وإخلاص المواطن وولائه، فالموظف الذي يكون الدافع من تحركه من خلال إجراءاته وقراراته مصلحته الشخصية، فإن ذلك يتعارض مع الأنظمة واللوائح والمصلحة العامة، كما أن هذه المخالفة تشمل الموظف الذي يحقق من خلال تصرفه المصلحة العامة ولكن يصاحب ذلك تحقيق مصلحة ذاتية وكأنها بمثابة المكافأة له، كما أن تحقيق المصلحة العامة بالمخالفة للأنظمة أو بالكذب أو الخداع ولو لم يصاحبها مصلحة شخصية يُعتبر من المخالفات.إذن، فإن مراعاة المصلحة العامة، تعتبر قضية عامة لا تخص الموظف الحكومي فقط، بل تشمل كل مواطن.. فإزالة الأذى عن الطريق مع أنه عبادة حثت عليه السنة الشريفة، إلا أن المواطن الذي يقوم بمثل هذا العمل يكون قد قدم خدمة للمصلحة العامة، والمدرس الذي يبذل جهداً إضافياً مع أحد طلابه بسبب ضعف مستواه الذهني يعتبر قد خدم المصلحة العامة، والجندي الذي يبذل قصارى جهده إلى حد فقد حياته في سبيل الدفاع عن وطنه أو حمايته من المحظورات أو الاعتداءات أو الإرهاب يعتبر قد خدم المصلحة العامة، والطبيب الذي يتابع حالة مرضاه بعد خروجهم من المستشفى يعتبر ذلك خدمة للمصلحة العامة، والتاجر الذي يحرص على استيراد المواد الجيدة ولا يتجاوز الأسعار المحددة والربح المعقول يعد ذلك من خدمة المصلحة العامة..
وعليه فإنه يمكن تحديد الإطار الذي يعبر عن المصلحة العامة فيما يلي:
- الجهد الإضافي الذي يبذله الموظف والذي يزيد عن المهام المطلوبة منه والتي يتقاضى عنها راتبه، أو ربما أن هذا الجهد الإضافي يختلف عن طبيعة أعمال وظيفته الأساسية.
- العمل الخيري الذي يقوم به المواطن دون انتظار مقابل مادي أو معنوي لما قام به.
- التقيد بتطبيق الأنظمة واللوائح على سائر الحالات كما وردت.
- معاملة جميع المستفيدين أو المراجعين وفق مبدئي العدالة والمساواة.
- التعاون مع أجهزة الدولة في سبيل معالجة الفساد الإداري أو المالي أو من أجل حماية بلادنا من دخول الاشياء الممنوعة، أو من أجل ضبط الخارجين عن الأنظمة ومن يهدفون إلى إثارة البلبلة والفتنة بين المواطنين.
|