هذا نص كلمة اللجنة الوطنية بالرياض للتبرع لمنكوبي باكستان والتي ألقاها عضو اللجنة الأستاذ عبد العزيز المسند. صاحب السمو.. حضرات الإخوة: كنا ككل المسلمين نعيش مع باكستان الأيام العصيبة التي مرت بها، وكنا نتابع أجهزة الإذاعة ونبتهل إلى الله أن يلطف بإخواننا المسلمين هناك.. وشاركناهم بأفئدتنا.. ودمائنا وأعصابنا، وأثخنتهم الجراح، فقتل من قتل وشرِّد من شرِّد وانتهى الهجوم سريعاً، لكن آثاره قد بقيت.. وتجاوزت الصدمة الأولى إلى الآثار الدامية التي تركت النساء والأطفال والشيوخ أرامل بلا مأوى وبدون زاد.. والحرب شر كلها.. وآثارها أليمة.. عشنا نحن السعوديين كل ذلك الواقع.. وتمت على اثر ذلك اجتماعات بين بعض المواطنين وبين سمو أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز بحث فيها ذلك الواقع المر.. وتمخضت عن تكوين اللجنة الوطنية بالرياض لمساعدة منكوبي الحرب في باكستان، وتفضَّل سمو الأمير بقبول رئاستها وأمد لها من عونه وتشجيعه ومؤازرته ما هو أهله.. ثم تلت ذلك اجتماعات لتنظيم اجتماعكم هذا والإعداد له.. وقد استغرق ذلك وقتاً كنا خلاله ننتظر انفراج الأزمة وتفريج الكرب.. وزوال الأثر.. ولكن ذلك لم يحصل.. فدعوناكم إلى اجتماع نعلم يقيناً أنكم انتظرتموه منذ حدوث الاعتداء الغاشم على الأمة المسلمة في باكستان.وإني باسم اللجنة أحب أن أبيِّن لحضراتكم السبب الذي دعانا للقيام بهذا العمل وهو ما لمسناه - كما تعلمون - من تضافر قوى الشر وتكالبها ضد الإسلام من حيث هو فكرة ودين.. وذلك واضح في الموقف تماماً فلم يكن الهدف أمة معينة أو قبيلة خاصة.. أو إقليماً دون إقليم وفئة ضد أخرى.. ولكن الهدف العميق الذي أرادته قوى الشر واتفقت عليه - وهي لا تتفق إلا على مصالحها - هو إخماد أنفاس المسلمين الذين أظهر الله الإسلام هناك على أيديهم، وحكَّموه في أمورهم الخاصة والعامة, ودعوا إليه وكانوا به فخورين.. فكان للإسلام شأن، ولمعتنقيه عزة وقيمة معنوية.. وهذا ما يقلق بال أعداء الإسلام الذين يحسبون للإسلام وانتشاره ألف حساب، ويعلمون أنه إذا بلغ العالم على حقيقته فسيؤمنون به جميعاً لا فرق بين أسودهم وأبيضهم وغنيهم وفقيرهم، وشريفهم ووضيعهم، وذلك يناقض مخططاتهم في السيطرة على العالم وإخضاعه لهم ولمبادئهم.لسنا بحاجة إلى أن نؤكِّد أن الكفر كله ملة واحدة.. وأن أهله لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}.
وهذا وحده هو الذي دفعنا إلى دعوتكم للتطلف بحضور هذا الاجتماع وإظهار المشاركة والمواساة لإخوانكم المسلمين.وأنتم تعلمون أن الإسلام وحَّد بين المسلمين وجمع قلوبهم فهم إخوة متحابون، وجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.. فمهما بعدت أعضاء ذلكم الجسد أو اختلف مكانها فشعورها واحد، وإحساسها واحد.. وإذا كان على المسلمين في كل بقاع المعمورة أن يحسوا بإحساس إخوانهم ويواسوهم في كل كان، فإن على هذه المملكة القسط الأوفر من هذه المسؤولية.. ذلكم لأنها مهبط الوحي ومبعث النور.. ومكان القداسات ومنطلق الخير والهدى لكل سكان الأرض.. وقد بسط الله على أهلها في الرزق ومنَّ عليهم بالاستقرار والأمن، وأبعد عنهم الفتن والشرور، فعليهم حق مساعدة إخوانهم المسلمين ومواساتهم في كل مكان حسب حجم الحاجة، وعظم الداعي، وقدرة المواسي.
أيها الإخوة: إنكم جميعاً تدركون فضل الجهاد ووجوبه على المسلم.. وفضله وجزاءه والجهاد يكون بالنفس وبالمال.. وقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله وأنفق صحابته كل ما يملكون في سبيل الله.. وها أنتم استمعتم قبل قليل إلى هذه الآيات الكريمات التي تدعو للجهاد بالنفس والمال.. وعلمتم ما كان من سلفكم الصالح، وما فعلوه من الإيثار حينما استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين وخلطوهم بأنفسهم ومالهم حتى صار الأنصاري يقاسم أخاه المهاجر ماله نصفين.. ويعرض عليه أن ينزل عن إحدى نسائه.. وأنتم تقرؤون قول الله فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وعندما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، قام إليه أبو طلحة الأنصاري فقال (يا رسول الله إن أحب مالي أن لي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بخ بخ - ذاك مال رابح، ذاك مال رابح..).
ولما نزل قول الله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدحداح فقال: يا رسول الله، أوَ يستقرض الله من عباده؟) قال: (نعم) قال: امدد يا رسول الله يدك اشهد أني أقرضت الله نخلي).. وكان نخله هذا فيه سبعمائة نخلة مثمرة وهو لا يملك سواه، ولما أخبر زوجته بما صنع، وكانت في البستان، أسرعت إلى نقل أولادها وهي تقول: (ربح البيع يا أبا الدحداح ربح البيع يا أبا الدحداح).ولعله لا يغيب عن بالكم إنفاق أبي بكر كل ما يملك في سبيل الله وتجهيز عثمان جيش العسرة بكل ما يحتاجه، وتبرع عبد الرحمن بن عوف بقافلة محمَّلة بالمال في سبيل الله.أيها الإخوة: أولئك كانوا أسلافكم وأنتم أحفادهم.. ونحمد الله أن في قلوبكم من الإيمان وحب الخير ما يجعلكم تحققون دعوة ربكم وتتبعون سنَّة نبيكم وتقلِّدون أسلافكم.وهذه فرصة لكم لتكتبوا مع المجاهدين حينما تتبرعون بقليل من كثير مما أعطاكم الله.. ولن يضيركم ذلك شيئاً، بل سيتقبله الله ويضعف لكم به الأجر ويزيد المال الذي أنفقتم منه.. وأنتم معدن الكرم والجود، وأهل الفضل والمروءة.. وقد تعوّدنا منكم المبادرة للأعمال النبيلة.. فهلموا إلى تسجيل ما تجود به أنفسكم أدام الله على هذه البلاد نعمة الإسلام، وحفظ لها أمنها واستقرارها بقيادة مليكها المحبوب فيصل بن عبد العزيز.. حفظه الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|