ثمانية وعشرون حرفاً أبجدية العربية..
متى تشتق أبجديَّتها هي الحروف من مخارج المدارات؟ حين لا تستضيء المعاني إلاَّ تحت أجنحة الدلالات، وعند منبع الاحتياج!
تتكوَّم في صندوق الذاكرة ثمانية وعشرون حرفاً، فما الذي يتكوَّم في ذاكرتها، والعدُّ كم؟
كلُّ حرفٍ شخصٌ يقوم مقام الروح، حين لا يكون، تنتهي قدرة البوح عن الظهور..
ثمانية وعشرون نبضة حسٍّ، وإن لم تكن، تكسَّر الكلام في صدر مَنْ يشعرون، متى ولا تنكسر كلماتها في صدرها، حين لا يؤوب إليها الدَّور..؟
روح الحرف تنبض في كيانه، فإلى أين يأوي حين لا يجد شاطئ المركب مستقرًّا كي يأوي إليه؟
كم رُكَّابه إن كانت ثمانية وعشرين، في ذاكرة الإنسان، فما الذي في ذاكرة كلِّ واحد منها؟ ويتضاعف العدُّ.. بكلِّ لمحة، وحسٍّ، وصورة، وشكل، ومادة، وروح..
عوالم تكتنز العدد المجهول لكلِّ حرف، في طيِّ الآماد، تنبسط مأوى لا حدود تحدُّه لها، ولا منتهى تؤوب إليه هذه الأبجدية.. حرفاً حرفاً..
ثمانية وعشرون في لسان الإنسان، يمضغها بضروس التَّصنيع، في بوتقة التعبير؛ كي يستقيم له الإدلاء، فيما هي تنهض مارقةً من معقل التقييد، وارفة الأجنحة، سيَّابة المقود، فارهة الامتداد، مكتنزة القوة، واثقة الامتلاك..
ثمانية وعشرون لا تقف عند العشرين والثمانية، في متاهة الصِّفر بجوار الاثنين، ولا في انكفاءة الثَّمانية عند صمت المخزون.. أو على أهبة الاستقبال عند واجهة اليمين للاثنين.
حروف العربية ذواكر تكتنف اللاَّمعروف عن، كم، وكيف، وأيّ، من الثراء الامتدادي لكيانات الدلالات، وامتداد الحروف داخل الحروف، جينات تتوالد في كيانات لا عقمَ يَئِدُ تكاثرَها في غابات كثيفة لا تقوى ألسنة تلوكها على احتوائها في أفواه ثقوب لا تستوعب أن تضرسها أو تلمَّها..
ثمانية وعشرون شفاه كالدولاب كلَّما تمطََّت، وتحركت، صعدت ونزلت تتخلَّق فيها مفاتيح، ذواكر الحروف كي تستوي لغة اللغة، وحرف الحرف، في عالم سري لا يحتدمه سواه، ولا يخترقه قنديلٌ غيره، ولا يحتويه كونٌ غير كونه.
|