قبل سنوات ركبت القطار من الرياض إلى الدمام، وكانت التجربة مريرة لذلك لم أكررها إلا قبل شهور، وكانت معي زوجتي وبعض أبنائي، وقد وجدت أن الوضع تحسن قليلا. وقبل أيام اتصلت على الخطوط السعودية للسفر إلى الدمام، وكان الوقت ضيقا لذلك لم ألح في البحث عن مقعد، ولم يكن أمامي إلا طريقان: النقل الجماعي ببساطته الجميلة وسوء الخدمات التي يجدها الركاب على الطريق بدءا من المقاهي والمطاعم وانتهاءً بدورات المياه، ولم يبق إلا الخيار الأخير وهو القطار، ركبت سيارتي ووضعتها في (الجراش) المقابل للمحطة، وأخذت تذكرة القطار ومعي حقيبتي وبعض الصحف، وكان المفروض أننا في الدرجة الأولى وهي في كل مكان لها خدمات تختلف عن خدمات الدرجات الأخرى، لكن الظاهر أن لشركة السكة الحديد رأيا آخر، فقد وجدنا حالما دخلنا وجلسنا في الأماكن التي وجدناها أمامنا، وجدنا مسؤولي القطار يقومون بترحيلنا من أماكننا ليبدأوا في الحال في إدخال أسرة كاملة بنسائها ورجالها وأطفالها إلى أماكننا، وهكذا أصبحنا نحن في المؤخرة وأصبح القادمون من الدرجة السياحية في المقدمة حالما انطلق القطار، وقد كان الوضع سيكون إنسانيا وجيدا لو كان من ركبوا بجوارنا قادرين على كبح جماح أطفالهم لكن الجميع بدوا وكأنهم يمدون لنا ألسنتهم، فخلال أربع ساعات ونصف تحول الحيز الذي نجلس فيه إلى مدينة ألعاب، فهناك الركض ومسدسات الأطفال وهناك الزعيق ولم أسمع أحدا (رجلا أو امرأة) ينهر ابنه، ولم نرَ من مشرفي الرحلة من يعيد الأمور إلى نصابها!
لقد أحال تصرف بسيط المكان إلى ملعب، وهكذا وجدت أن المقاعد الجديدة والتكييف الجيد الذي حل حديثا دمره سوء الإشراف الذي يصل لدرجة اللامبالاة!
هذه واحدة، أما الثانية فهي بطء القطار، وقد سمعنا وقرأنا عن تجديد شامل للقطار، لكن ما لمسته لم يتعد المقاعد ومناديل الورق في الحمامات، بينما سير القطار ما زال على حاله، أكثر من أربع ساعات من الرياض إلى الدمام، وهي فترة قاتلة مملة خاصة في ظل ما يقال بأن القطار بإمكانه أن يقطع (300) كم في الساعة الواحدة، ما السبب الذي يجعله يقطع أقل من مائة كم في الساعة الواحدة؟ ما السبب الذي يجعل صوت قاطراته مزعجا؟ ما السبب الذي يجعلنا لا نحجز ولا نقطع التذاكر إلا من المحطة؟ نحن نعرف السبب ونعرف الإجابة، لكننا ما زلنا نطمح في رحلات قطار ممتدة من وإلى كافة المدن السعودية، وأن تكون مثل القطارات التي تخترق المدن اليابانية والكورية والأوروبية، تلك التي تشبه الطلقة في سرعتها ونعومتها وجودة خدماتها.. حينذاك لن تجد أحدا يقبل على استخدام سيارته أو الحافلة، لكن يبدو أن الوقت ما زال مبكرا لمثل هذه الخطوة!!
فاكس: 4533173 |