Wednesday 8th September,200411668العددالاربعاء 23 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

البوارح البوارح
القراءة الغائبة
د.دلال بنت مخلد الحربي

(هناك نوع من القراءة نخاصمه، فنفوّت على أنفسنا فرصة لامتلاك وسيلة من أفعل وسائل إدارة الصراعات، وهنا مجرد مثال واحد يوضح ذلك بجلاء، فهل نتنبّه للحاضر والمستقبل، ولا نغفل هذا النوع من القراءة).
بهذه الكلمات افتتح د. سليمان العسكري مقالة له نُشرت في مجلة العربي العدد 527 أكتوبر 2002م، تلقي الضوء على مصدر معلوماتي مهم لمعرفة الآخر وكشف خططه والاستعداد لمواجهة ما سيكون عليه، وإذا ما كانت المعلومات الاستخبارية تجمع من مصادر متنوعة على رأسها الجاسوسية، فإن هذا المصدر متاح ومن السهل على الجميع الحصول عليه، فقط يتطلب متابعة في (الإنتاج) و(قراءة متأنية فاحصة).إنه مصدر الأدب، الذي هو نتاج للتطلعات والآمال وحتى الإحباطات والانكسارات، حيث يترجم كل ما يدور في الوعي واللاوعي الإنساني، وبالتالي فهو يُعدّ مصدراً قيماً لأنه يحمل معلومات ورؤية نادرتين.
ويقدم لنا د. العسكري نموذجاً لهذا الأدب المعلوماتي برواية كتبها الإسرائيلي عاموس كينان قبل سبعة عشر عاماً تحمل عنوان (الطريق إلى عين حارود)، تعكس حواراتها ومواقفه ما يحدث الآن في فلسطين من حصار إسرائيلي مضروب على المدن والقرى الفلسطينية وما يصاحبه من تقتيل وانتهاكات غير إنسانية بهدف دفع الفلسطينيين للهجرة، أو الإبادة.
من الحوارات التي جاءت في الرواية الحوار الآتي:
- إني مضطر أن أصل إلى قرية عربية، الطيرة، الطيبة، قلنسوة، أو أي قرية.
- لكن ذلك مستحيل، فأنت تعرف أن جميع القرى محاصرة ونظام حظر التجوال مفروض عليها.
وحوار آخر:
- لماذا لا تسألني أين العرب؟ سأل الجنرال.
- أين هم؟
- غير موجودين.. بعثنا بهم جميعاً من هنا.
- إلى أين؟
- إلى مكة. إلى المكان الذي قَدِموا منه. الآن بمقدورهم أن يركبوا هناك على الجمال في الصحراء وأن يغنوا ما يشاءون.
سكت.
- لماذا لا تسألني ماذا سنفعل بالقرى؟
- ماذا ستفعلون بالقرى؟
- لدينا خطة. سنصعد عليها جميعاً بالبلدوزر، وبعد شهر أو شهرين على الأكثر لن تكون علامة تشير إلى أنها كانت قائمة هنا).
هذان الحواران في النصين السابقين يكشفان بعداً استشرافياً للرواية، فهما يدلان على ما يحدث اليوم في فلسطين، وهو ما يؤكد أن الأمر مخطط له، ولم يكن وليد ساعته أو حتى ظروف مرحلته، وهذا ما أشار إليه سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الذي قدم للترجمة العربية للرواية بقوله: (إلى جانب الأهمية الفنية للرواية هناك أهمية بالغة الخطورة للمضمون الذي بنيت الرواية به وفيه ولأجله. وفي اتساع رقعة السرطان العنصري نجد المصداقية الكافية لناقوس الخطر الذي يقرعه عاموس كينان في روايته هذه. فلسنا أمام قصة من قصص الخيال العلمي. نحن نتعامل الآن مع ضوء أحمر قان يستمد مبرره الحاسم من حمرة الدم المسفوك في بلادنا).
إن مقال د. العسكري وهو ينبهنا إلى مصدر معلوماتي مهم في نتاجات خصومنا، يذكرني بمقال آخر نُشر قبل عدة سنوات في صحيفة الرياض للدكتور يحيى بن محمود بن جنيد تحت عنوان (من يقرأ المصباح؟) والمصباح صحيفة يهودية كانت تصدر من بغداد في العراق في الثلاثينيات من القرن العشرين، كانت مقالاتها والأخبار التي توردها تكشف عن المخططات اليهودية في فلسطين والسعي إلى تكوين دولة إسرائيل.
وكما هو حال الرواية، يبدو أن عربياً لم يقرأ المصباح ولم يقرأ رواية (الطريق إلى عين حارود)، ويبدو أن الجهل بالآخر -العدو- مستمر إلى هذا اليوم دون وعي أو إدراك.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved