هذه هي حياة البشرية حينما تبتعد عن منهج الله، وحينما تحارب ما شرع الله وتناقضه، وحينما تحطم كل مقاييس الحق والخير والعمل الصالح، وحينما يصبح الحرام في ميزانها حلالاً، وتصبح الرذائل في قوانينها فضائل!!.
طبائع الوحوش هي طبائع الناس الذين لا خلاق لهم، الناس الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}، نعم هم أضل من الأنعام لأنهم - بانحرافهم - يتجاوزون حيوانيتها الفطرية، إلى حيوانية بشرية خبيثة لا نظير لها في عالم الحيوان النزيه البريء، فجميع أنواع الحيوان لا تقدم على الافتراس إلا إذا دعتها الحاجة الماسة إليه، فإذا شبعت كفت عن ذلك، أما وحوش البشر فإنها تفترس بعضها لتزداد تخمةً وبطنة، وتقتل وتسلب وتنهب، وتعتدي على البلاد بالاحتلال، وعلى الناس بالقتل والتشريد، وعلى النساء بالاغتصاب، وعلى الأطفال بالترويع والتخويف، لتزداد كبرياء في الأرض، وثراء فاحشاً يتيح للوحوش البشرية أن تشبع شهوات البطن والفرج بأبشع صورة، وأقبح طريقة عرفتها الأرض.
طبائع الوحوش هي طبائع أهل المدنية الغربية والشرقية المنحرفة عن منهج الله وشرعه في هذا العصر، هي طبائع أصحاب المصانع الضخمة ووسائل المدنية الهائلة، والجامعات الكبيرة العريقة، والمؤسسات التجارية العملاقة.. إنها طبائع وحوش أمريكا وأوروبا وروسيا من متعصبي اليهود والنصارى، ومتطرفي الشيوعية الملحدة الذين يمثلون الوجه الآخر لعملة الظلم والقهر والاستبداد، والكفر البواح برب العباد.
إنها مدنية الغرب الزائفة التي قال عنها المفكر الغربي (بيتريم سوروكين) في كتابه (أزمة العصر): (لقد انتقلت الحضارة الغربية من مرحلة المادية الإيجابية النشطة إلى مراحل المادية الكلبية - نسبة إلى الكلب - مما أدى إلى شيوع الاتجاهات المادية والميكانيكية المتطرفة، والتركيز على اغتنام اللذائذ والشهوات الحسية والجنسية، مما أدى إلى هبوط قيمة الإنسان نفسه في الحياة المعاصرة، فأصبح في نظر المادية الغربية كائنا بيولوجيا ليست له قيمة خاصة، ولا كرامة خاصة).
وإنما استشهدت هنا بقول (سوروكين) لأنه كاتب ومفكر غربي رصد مسيرة الاتجاهات الغربية النصرانية على مدى 2500 سنة، وبيَّن الانحراف المخيف الذي حدث لها في العصور المتأخرة حتى أصبحت حضارة الغرب حضارة (كلبية) قائمة على النهش والنباح والاعتداء.
ولأن بعض أبناء المسلمين من أتباع أمريكا وأوروبا في أفكارهم وسلوكهم يرفضون كل حكم من جهتنا ضد الحضارة الغربية المعاصرة، ويرون أن ذلك من وهم (المؤامرة) عندنا، ولكنهم يصابون بداء الخضوع والاستسلام أمام أي اسم (غربي مهما كان مستواه).
ولأن سوروكين مفكر كبير، وشاهد على الغرب من أهله.
إن مدنية الغرب المعاصرة مدنية وحشية بسبب انحراف أهلها عن الحق، وفي فلسطين والعراق وحدهما دلائل هائلة على ذلك، فمتى تصحو أمة الإسلام لتنقذ نفسها من (الوحوش)؟.
إشارة
سهام المرجفين بها انكسار
فليس سوى حناجرهم تصاب |
|